وودي آلن

علي المعموري

كل مرة اتورط فيها واعتزم مشاهدة فيلم من آخراج وودي آلن افشل في أكماله حتى المنتصف، رغم انه يحرص دائما على ان تكون هناك ممثلة واحدة على الأقل تجرك جراً برقتها لمشاهدة الفيلم ــ من الأمور التي لاحظتها أيضا ان أيا من النجوم الكبار من عيار آل باتشينو وروبرت دينيرو لم يمثلوا في أي من افلام وودي آلن، بل انه يتجنب النجوم الذكور الكبار على الدوام، وقد أكون مخطئا لا أعرف ــ لكن كالعادة، فإن آلن الذي يكتب بنفسه أفلامه يقتلني بقصته رويدا، يحاصرني بحوارات طويلة عريضة يؤديها الممثلون بطريقة وودي آلن نفسه، وأسلوب تمثيله الفاقع المبالغ والبارد في ذات الوقت، لأفقد قدرتي على المتابعة، وأفرّ راكضا عن الفيلم، مضحيا بالجميلة التي تخطر فيه.

طيب، أفلام وودي آلن ليست افلاما استهلاكية، انها أفلام ذات مغزى، كما انه يستخدم حيلا فنية ورموز كثيرة تجبرك على الانتباه لكل تفصيلة لكي تربطها لاحقا بمشاهد أخرى، وهي أمور أحبها بشغف، فما هي مشكلتي مع الرجل وأفلامه إذن؟

حسنا، لعل اكثر ما يقتلني بها هو إيقاعها البطيء الجامد بدرجة تكاد تكون مفتعلة، لا أعرف لماذا اشعر بذلك، بالاضافة إلى أن هناك أمر غريب يتعلق بشخصياته، يتصرفون في أحيان كثيرة كأنهم آلات، أو روبوتات لا حول لها ولا قدرة تجاه حياتها، ولا يستطيعون ملاحظة التناقض الكبير في سلوكياتهم وقراراتهم المفاجئة غير المفسّرة، ثم جمود مشاعر شخصياته بدرجة كبيرة رغم تفاني الممثلين في بث الحياة بتلك الشخصيات، كيف يمكن ـ مثلا ـ ان تهيم الشخصية التي تؤديها البنفسجة الرقيقة إيما ستون في فلم (Irrational Man 2015) بصورة مفاجئة باستاذها العصابي، ثم تقنع نفسها بأن لا مشكلة في ذلك، بالرغم من وجود حبيب في حياتها تصرح أكثر من مرة بأنها تحبه، ثم وبعد ان يحاول الاستاذ قتلها فيقتل نفسه عرضيا تضحك وتتجاوز الموضوع بسرعة كبيرة، كل هذا بظل حوارات طويلة تبدو اقرب إلى الثرثرة مهما حرص على استدعاء كيركيغارد وهايدغر لنص الفيلم باعتبار الاستاذ القاتل والطالبة متخصصان بالفلسفة.

************

على أي حال، من حيل وودي آلن التي أشرت لها وتضمنها الفيلم هو الطريقة المسرحية التي مات بها البطل أستاذ الفلسفة، المرتبطة بمشهد سابق.

فقد اصطحبته تلميذته الجميلة إلى مدنية الألعاب، وهناك ربح من أجلها في لعبة التصويب هدية، وترك لها حرية الاختيار من بين الهدايا التي تعرضها صاحبة اللعبة، فاختارت مصباحا يدوياً! فقال لها ممتاز، هدية عملية، أليست مفارقة ان تختار تلميذة مصدراً للضوء كهدية من استاذها، ما هو واجب الاستاذ سوى أن يكون مصدرا للضياء؟

بمهارة عالية لا يترك وودي آلن الاستاذ ليختار الهدية، بل تختارها التلميذة نفسها، من بين أمور أخرى قدمها لها استاذها، انه واجب التلميذة بقدر ما هي مسؤولية الاستاذ، الذي يعريه آلن مسبقا بجعله يمنح خيارات عدة تكون التفاهة والقبح من بينها، ويذهب أبعد من ذلك حينما ينقل القبلة بين الأستاذ والتلميذة عبر مرآة مشوهة وهو يرمز للخطأ والتشوه الذي يشوب هذه العلاقة الخاطئة.

ويرتبط هذا المشهد بالمشهد الذي يموت فيه الاستاذ وهو يحاول قتل تلميذته، التي باح لها بقتله لأحد القضاة إحقاقا للعدالة، فانقلبت البنت عليه، ليقرر قتله برميها في بئر المصعد في البناية التي تدرس فيها العزف على البيانو وإثناء محاولته جرها ورميها، تسقط حقيبتها، وتتناثر أشيائها على الأرض ومنها مصباحها اليدوي الاصطواني ذاك، ليتدحرج الأستاذ عليه، ويسقط في بئر المصعد ميتا، تحمل البنت المصباح المضاء وهي تضحك، إنها إشارة إلى تطور الافكار عبر الأجيال، وإن فكرة منحها الاستاذ لطالبه، سوف تكبر عند الطالب، لتنهي القيم القديمة التي ارتكز عليها الاستاذ وجيله، لا بل تقتل تلك الفكرة، وأن الضوء يقتل العتمة، وأن الأفكار الجيدة والنبل ينتصران على الشر، وهي لعبة يلعبها وودي آلن على الدوام.

استطيع القول ان الفيلم يتضمن فلسفة جميلة تتناول كيف يمكن ان يتحول المثالي المفرط بمثاليته إلى مجرم يبرر لنفسه القتل، فضلا عن قدرة فتاة جميلة مثل التي تؤدي ايما ستون على لعب دور في تغيير حياة رجل غارق بالكآبة الفلسفية، لكن أسلوب وودي آلن ورتابته القاتلة كتم على أنفاسي حتى لم استطع إكمال الفيلم.

عن الفيلم

imdb