ارنستو تشي جيفارا

ولد ارنستو تشي جيفارا دي لا سيرانا، أو (تشي) كما يعرف مجردا في روزاريو/الارجنتين يوم 14 حزيران 1928، وتخرج من كلية الطب ليبدا سنة 1952 رحلته الشهيرة على الدراجة النارية ويشاهد مآسي أمريكا اللاتينية، المآسي التي حمّل الولايات المتحدة مسؤولية وقوعها.

وبالرغم من انخراطه المبكر في النشاط السياسي، واندماجه شيئا فشيئا بالحركات الراديكالية خصوصاً بعد أن اطاحت المخابرات المركزية الامريكية بحكومة خاكومو اربينيز المنتخبة في غواتيمالا وهروبه إلى المكسيك على أثرها، بالرغم من هذا النشاط، إلا أن نقطة التحول الحقيقية في حياة (تشي) السياسية كانت لقاؤه في تموز 1955 بجماعة كوبية يتزعمها معارض كوبي اسمه فيدل كاسترو.

انخرط جيفارا بعدها في حرب ثورية أطاحت بالنهاية بالدكتاتور الكوبي ورجل الولايات المتحدة بانيستا، وبعد توليه منصبا وزاريا في الحكومة الجديدة لمدة ترك السلطة وعاد لحمل السلاح في بوليفيا، وأسرته القوات الحكومية الموالية لواشنطن، وقتل سنة 1967 ولم يظهر جثمانه حتى العام 1997، حيث أعيد إلى كوبا.

وفي حقيقة الأمر، فإن جيفارا لم يكن منظراً ماركسيا كبيرا، ولم يكن مفكرا من الطراز الآيديولوجي البحت، ولم يترك وراءه كتابات ذات مستوى عال من التنظير السياسي، كان الرجل ببساطة ثائراً ينتمي إلى الانسانية برمتها دون تفاصيل أو حدود، وكان همه الأساس هو افتداء الانسانية من الشر المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية، على هذا عاش، وعليه مات.

ومقولته الشهيرة ((إني احس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم في العالم فأينما وجد الظلم فذلك موطني)) تلخص فلسفته السياسية وآراءه الثورية، وكان يؤمن بمبدأ البؤرة الثورية ودور الفرد في التغيير التاريخي، كان يرى أن الفرد عندما يقوم بواجبه تجاه الانسانية فسوف يجد من يسانده، وتتوسع البؤرة الثورية وتكبر شيئا فشيئاً.

وبالرغم من كونه شيوعيا، إلا انه اصطدم بالنهاية بالفرق بين النظرية والتطبيق، يقول أ. محمد حسنين هيكل في كتابه (عبد الناصر والعالم/ ص458 ط الأولى) وهو يتحدث عن زيارة جيفارا إلى مصر ان الاسئلة الناتجة عن خيبة الأمر كانت تصطخب في صدر الرجل، وكان يسأل: ((من هو الشيوعي؟ ما هو دور الحزب؟ هل الشيوعي مجرد ملحد؟ هل يتعين على الشيوعي ان يعمل أكثر من الآخرين؟ لقد قلت ذات يوم ان على الشيوعي أن يكون آخر من يأكل وآخر من ينام وأول من يستيقظ، لكني تبينت ان ما قلته هو وصف لعامل جيد وليس لشيوعي جيد)).

((من يسن القوانين؟ ما هي العلاقة بين الحزب والدولة؟ وبين الثورة والناس؟ حتى يومنا هذا ظلت العلاقة تدار بانتقال الافكار واستقراءها تلقائياً لكن هذه الطريقة لم تعد كافية)).

((لقد كُلفّت بمهمة الاشراف على التحول الاجتماعي وكان المشكل الأول الذي واجهته هو إيجاد الاشخاص الذين يمكنهم أن يديروا المؤسسات المؤممة، ثم وجدناهم وظننا انهم سيكونون ممثلين للثورة، فاكتشفنا انهم لا ينتمون إلى الحزب الثوري إنما إلى الحزب الإداري… وأخذوا يغلقون مكاتبهم في وجوه الناس للحفاظ على الهواء المكيف بدلاً من أن يفتحوها لاستقبال العمال… إني شيوعي، وقد قرأت القدر الكثير من الكتب الشيوعية، واصبحت معذبا مشتتا بين الثورة والدولة)).

ان فلسفة جيفارا الثورية تتلخص فيما قاله ذات يوم: ((إن نقطة التحول في حياة كل انسان تحل في اللحظة التي يقرر ان يواجه الموت، فإذا قرر ان يجابه الموت يكون بطلاً سواء نجح أم أخفق، إن في وسع الانسان أن يكون سياسيا صالحا أو رديئا، ولكن إذا كان لا يستطيع ان يواجه الموت فإنه لن يكون أكثر من مجرد رجل سياسي)).

تلك العقيدة التي عاشها جيفارا، ومات من أجلها كما قال أ. هيكل.

جمال الدين الأفغاني

ولد جمال الدين الحسيني الأفغاني في مكان مُختلف عليه بين أن يكون قرية اسعدآباد في أفغانستان أو اسدآباد في إيران ولكن الثابت انه ولد عام 1838 لأسرة علوية حسينية وتوفيه سنة 1897 في اسطنبول.

وفي الزمن القصير الذي عاشه بين التاريخين عاش ثائراً تلح الاسئلة عليه ابتداءاً منذ دراسته المبكرة في بلاده ثم، في النجف، وصولا إلى تحركه على مستوى العالم الإسلامي، نافخاً فيه روح الثورة حتى لقب بموقظ الشرق.

ولا يزال متنازع عليه حتى اليوم بين التيارات المذهبية على جانب، وبين دعاة الدولة المدنية على جانب ودعاة الدولة الدينية على جانب ثالث، هكذا عاش، وهكذا مات.

ولكن أي محاولة لفهم عقيدة الرجل في الثورة لن تكون دقيقة دون فهم موقفه من الدين، والدين الاسلامي بصورة خاصة، لقد كتب في العروة الوثقى ((إن الاصول الدينية الحقة المبرأة عن محدثات البدع تنشئ للأمم قوة الاتحاد وائتلاف الشمس وتفضيل الشرف على لذة الحياة وتبعثها على اقتناء الفضائل وتوسيع دائرة المعارف وتنتهي  إلى أقصى غاية من المدنية)).

وكما يقول د. محمد عثمان الخشت ((لقد كان موقف الافغاني من الدين بعامة والاسلام بخاصة ثابتا طوال حياته… وتكشف كتاباته عن إيمان عميق بالدين الاسلامي وجدواه بالنسبة للبشرية… وقد كان لديه يقين بأن الالحاد لم ينتشر في أمة إلا كان سبباً في اضمحلالها وانقراضها)).

ويتجلى الشق الآخر في شخصيته وحياته ومنهجه في عداءه الشديد للانجليز، حيث ان ولادته في مناطق نفوذ بريطانيا، وتحكمها في الدول الاسلامية ــ وهو أمر كلفه منصبه في بلاده ــ واستنزاف بريطانيا لموارد الدول الخاضعة لها جعلته يناصب المصالح البريطانية العداء حيثما توجد، وكيفما تكون، وكان همه الاول إضعاف نفوذ بريطانيا في بلاد المسلمين، هكذا كان شأنه في أفغانستان، ثم إيران القاجارية وفي مصر وأخيراً تركيا.

ويذكر د. علي الوردي ان ثورة التنباك الشهيرة التي نشبت عقب منح الشاه ناصر الدين القاجاري امتياز تجارة التنباك لبريطانيا لتسيطر على تجارته في إيران، وما تبعها من تحريم السيد محمد حسن الشيرازي المجتهد الأكبر للإمامية على الإيرانيين شرب الدخان مما أدى إلى رضوخ الشاه وإلغاء الامتياز، يروي الدكتور الوردي في الجزء الأول من اللمحات ان جمال الدين ذهب إلى سامراء مقر إقامة الشيرازي واجتمع معه بمفردهما وفي ((تلك الساعات الرهيبة)) ــ بتعبير الوردي ــ صيغت الفتوى التي جعلت من شرب الدخان بمثابة محاربة إمام الزمان.

أما الجانب الثالث المتعلق بشخصية الأفغاني فهو تحرره من المذهبية الضيقة وترفعه عن النعرات الطائفية، وامتداد دعوته إلى كل من آمن برسالة النبي محمد (ص) دون الالتفات إلى مذهبه وعقيدته الخاصة، كما انه لم يكن من مهادني القومية أو الداعين إليها، كان مؤمنا بالجامعة الإسلامية والوحدة الاسلامية وضرورة تكاتف المسلمين ضد الاستعمار ــ الانجليزي منه بصورة خاصة ــ وقناعته بأن بالوحدة الاسلامية فقط وتناسي الماضي ستنهض الأمة وتأخذ دورها الطبيعي وتستعيد مجدها.

إلى هذه الأمور مجتمعة تستند دعوة الأفغاني إلى الحركة وتأجيجه لروح الثورة في الأمة الاسلامية.

image007

عادات الأكل في العراق كمخرج للبيئة والثقافة الجمعية

 

إن المتتبع للعادات الغذائية في العراق بالمقارنة مع ما يجاوره من دول خصوصا في بلاد الشام سيجد فرقا كبيرا يستند إلى عدة أسباب بعضها بيئي والبعض الآخر يستند إلى عوامل الانثروبولوجيا الجمعية المتأثرة بالبيئة وبمواريث قيمية أخرى.

ففيما يخص البيئة، سنجد أن طبيعة ظروف الزراعة بالعراق اتسمت بالقسوة، وحاجتها إلى العمل الشاق، ففضلا عما تتطلبه العناية بالنخيل من جهد وتعذيق ومتابعة تامة، فإن نمط زراعة القمح والرز في العراق وارتباط موسم الحصاد مع الأمطار وفيضان دجلة والفرات جعلا العراقي متوترا على الدوام، وبحاجة لبذل جهد مستمر لإقامة السدود، عبر جهد عضلي كبير يحتاج بدوره لغذاء غني بالسعرات الحرارية والبروتينات، وبحاجة لدولة مركزية قوية من جانب آخر تقوم على تنظيم ما سبق.

وسّهل الحصول على ذلك النوع من الأغذية ما حازه العراق من وفرة في الثروة الحيوانية جنبا إلى جنب مع الثروة النباتية الزراعية الأخرى، فكان اللحم والخبز والتمر والدهن الحر (الدهن الحيواني الطبيعي) وجبة أساس في نظام غذاء أغلب العراقيين، لشحة تنوعها بالمحل الأول، ولم يكن للخضروات دور كبير في موائدهم، لأن زراعة الخضروات ارتبطت بدورها بقيمة ثقافية وجدت في العراق تتعلق بالمُزارع الذي يغرسها، حيث ان العراقيين لم يعتبروا الخضروات غذاء، ونظروا إلى زُرّاعها باحتقار، مما قلّص عددهم، وجعلها وجبة تكميلية لموائد الأغنياء وحسب، حيث سنجد مثلاً ان المفكر هادي العلوي يذكر ان المزارعين في الكرادة كانوا يزرعون الفجل، رغم أنهم لا يأكلوه بالضرورة، ولكنهم يفعلون ذلك لبيعه في بغداد حيث يكون أغلى من غيره من الخضروات، ويطلق عليه البغداديون (جاويش الطعام).

على عكس بلاد الشام، حيث امتاز نمط الزراعة فيها بالكثير من السهولة، فأشجار الزيتون لا تتطلب ذلك الجهد البليغ الذي يبذل في رعاية وزراعة النخيل أو القمح والرز في العراق، والحيوانات ليست كثيرة، والخضروات والفواكه متوفرة ومتنوعة، مما جعل من النظام الغذائي الشامي يتكون بالدرجة الأولى من الخضروات.

أما من الجانب الاجتماعي، فلا يمكن إغفال الميراث البدوي الحاث على الكرم والبذل، والذي يجد له الكثير من النصوص الإسلامية المعززة، والحاثة على إكرام الضيف، وإطعام الآخرين، وإن شددت على عدم الاسراف، ولكن العادة المعروفة في قراءة جزء من النص واتباعه بما يخدم الهوى غلبت في هذا الموضع، فالآية الكريمة: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)(الانسان8) لم يُطبق منها سوى جزئها الأول بالغالب، ممتزجا مع ما عرف عن العراقيين من تطرف في السلوك لخصّه الجواهري ببيت في مقصورته يقول:

تريك العراقي في الحالتين………يسرف في شحه والندى

فكانت المبالغة بإعداد الطعام في الولائم هي الصفة السائدة، بحجة إكرام الضيف، أو إبراز سمو نفس المضيف وسماحته، حتى وإن أضر ذلك به وبموارد عيشته، فوضع العراقيون مثلا يقول: (بيع قِدرك ـ إناء الطبخ ـ واشتري قَدرك ـ المكانة والهيبة)، وحتى صار الكرم مرادفا للشجاعة، والإسراف بالموائد سبيلا للزعامة، ويمكن أن أذكر الكثير من أسماء الشيوخ الذين حازوا زعامتهم لقومهم بالموائد، وبتكويم اللحم على البواري وليس في الآنية، ويمكن ان تجد الكثير من المأثورات التي تتحدث عن أسلوب الأكل في العراق.

بقي أن أختم بملاحظة أخيرة، وهي أن العصر الحاضر قلل بدرجة كبيرة جدا من الحاجة إلى الجهد العضلي بدرجة كبيرة، ولكن العراقيون لم يغيروا عاداتهم الغذائية، رغم عدم بذلهم الجهد العضلي اللازم لحرق السعرات التي يكتسبونها من طعامهم الدسم، مما زاد من حالات السمنة، والأمراض المترتبة عليها بشكل كبير.

HOME ملاحظات تأسيسية (الأخيرة)

(3) هل الولايات المتحدة بحاجة لسلاح سري يتلاعب بالمناخ؟

في حقيقة الأمر، فإن الصناعة لم تعد وحدها من يستنزف الأرض، ويفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، بل ان الزراعة التجارية تسهم بدورها بذلك، فتجريف الغابات الكبيرة التي تشكل رئة العالم من أجل زراعة نخيل الزيت، أو فول الصويا على سبيل المثال، أو بيوت زراعة الخضروات المغطاة في أوربا، صارت تضارع الصناعة بالمساهمة بالخراب؛ وبعدة صور، مثل كسر التنوع الأحيائي الضامن للتوازن، واستنزاف الموارد المائية، وزيادة ظاهرة الاحترار وذوبان الجليد في القطبين المنجمدين، مما يجعلنا نتأكد ان ما تتحدث عنه بعض النظريات من امتلاك الولايات المتحدة لمشاريع تسليح تقوم على استغلال المناخ، وإحداث تغيرات في درجات الحرارة بفعل إنساني وإن ما تشهده بلداننا من ارتفاع في درجات الحرارة راجع لتلك البحوث السرية أمر ليس باليسير تصديقه، فالولايات المتحدة بما تصنعه من تلوث وتخريب للبيئة تزيد من الاحترار دون الحاجة إلى تخصيص ميزانية مفردة لهذا الأمر.

وخلاصة كل ما مر، أن الانسان إذا ترك لذاته فسيخرب كل ما حوله، وسيقتل كل ما يحيط به وصولا إلى قتل نفسه، وإن القواعد العلمية التي يريد البعض أن يجعل منها أخلاقا غير مقنعة، في ظل الطريقة التي قاد بها الانسان التقدم العلمي إلى اتجاهات تتنافى والروح الأخلاقية التي يجب أن تحكمه، العلم مجرد، وبطبيعته غير محدود، ولا يعترف بالحدود، ولكن الحدود هي أساس الحياة، لأنها تضمن التوازن، التوازن الذي يتطلب منظومة صارمة من القوانين بالنسبة للانسان، سمها أخلاقا، سمها دينا، سمها ما تشاء، ويتطلب للجماد الذي لا يمتلك عقلا يؤهله للانضباط قوة عليا تحكم وضع قواعده، وتنظم سيره وتوازنه، سواء آمنتم بالأديان أم لم تؤمنوا، لكني غير مقتنع ان هذا النظام الدقيق الذي استمر لآلاف السنوات هو نتيجة تجارب كائنات غير عاقلة.

الأديان ومشاكلها لا علاقة لها بالإيمان.

الثلاثاء 30/ 7/ 2015

الصور من الوثائقي

11

HOME ملاحظات تأسيسية

(2) التقدم العلمي: بين جشع الإنسان، والتحرر من القيود الأخلاقية

الملاحظة الثانية، تتعلق بالتقدم العلمي، واستنزافه المفرط للموارد الطبيعية، وهنا أريد الإشارة إلى أمر بالغ الحساسية والدقة، وهو أن عصر النهضة ــ الذي قاد إلى الثورة الصناعية ــ رغم انه نحّى الكنيسة والدين وقواعده جانباً، إلا أنه كان عصر الفلسفة، التي حلّت محل الدين، وأسست للدولة الحديثة وقوانينها ــ كما كتبت مرة هنا ــ وشكلت القواعد الأخلاقية التي أسس لها الفلاسفة كابحاً للتطرف في التجريب العلمي وفق أهواء الإنسان، ولكن ما حدث لاحقا أن الجشع انتصر على الفلسفة والاخلاق، وإن العلم صار مسخّراً اليوم من قبل الشركات الكبرى للمزيد من الاستنزاف للموارد، كنتيجة بديهية لغياب الأخلاق عنه، ثم سخرية بعض العلماء الطبيعيين من المنظومة الفلسفية ومحاولتهم تقديم بديل قيمي يستند للمختبر العلمي، المجرّد والثابت بطبيعة تعامله مع المواد ذات الطبيعة الثابتة، التي لا تتغير إلا بظروف استثنائية، عكس الانسان المتغير بطبيعته، طبقا لإرادته الحرة، وكل هذا قادنا اليوم لنصل إلى موقف صار العلم ضمنه خاضعا لجشع الإنسان بدلا من أن يكون خاضعا للقيم الأخلاقية، سواء جاء بها الدين، أم وضعتها الفلسفة، وصارت القوانين ــ المستندة لمبادئ فلسفية في الغرب ــ تبعا لذلك تطبق في أرض، ويتم تجاهلها في أرض أخرى، بانتقائية تزيح فكرة العدل التي تشكل جوهر القانون، ليهجم أصحاب رؤوس الأموال وشركاتهم العابرة للقارات على الدول المتخلفة، الغنية بالموارد البشرية والطبيعية، بحثا عن الأيدي العاملة والموارد الرخيصة، وبتعسف شديد تحميه الانظمة السياسية في تلك الدول، بعد ان تشددت الدول الأوربية في وضع قوانين حماية البيئة، أو هربا من الضرائب والأجور العالية في الولايات المتحدة، والنتيجة ان هذه الشركات الكبرى التي نشأت في حضن الديمقراطية والحريات، تتحالف مع أكثر الانظمة تخلفا ودموية، وتوفر لها الحماية الدولية، عبر زواج المال والسلطة، لتستمر في استنزاف موارد تلك الدول، فتذهب الأرباح إلى المصارف الأوربية والامريكية مرة أخرى، ويتم تمويل البحث العلمي لأغراض عسكرية أو تجارية، ولا ينال من إنجازاته سوى مواطني ذات الدول الغربية، وجشع القيم الاستهلاكية الذي يستمر باستنزاف الأرض ومواردها، وبذات الوقت يستمر بتغذيته للتخلف والأنظمة الاستبدادية في العالم الفقير، ثم نعود ونلقي باللائمة على شعوب تلك المناطق بمفردها.

ملخص [نمط الحضارة الاستهلاكية الذي نعيشه اليوم هو نمط غربي، نتيجة للانفلات في تغذية التقدم العلمي ليخدم الإثراء الفاحش، بدلا من ان يكون وسيلة لجلب السعادة والتوازن، فالممولون الكبار للبحث العلمي هم الشركات الكبرى، والخاسر الأكبر هي الدول المتخلفة الغنية بالثروات، والتي التفت لها المتوحشين الغربيين وخرّبوا أراضيهم بعد أن قمعتهم القوانين في دولهم الأساس، ومنعتهم من ممارسة وحشيتهم وجشعهم على البيئة الأوربية والإنسان الأوربي، أو بعد ان استنزفت موارد بعض الدول الأوربية التي تم تعدينها ابتداءا من عصر النهضة عدا دول معينة في أوربا مثل النرويج والسويد].

يتبع

(الصور من الوثائقي)

رفع3

 

HOME ملاحظات تأسيسية

أكملت بالامس مشاهدة الوثائقي المبهر (HOME)، الذي يتحدث عن الأرض ومواردها الطبيعية والاستنزاف المفرط المخل بالتوازن الذي تقوم عليه الحياة في هذا الكوكب، بعد أن قبع لسنوات لدي، ولعلي كنت محظوظا بهذا التأخير، فلربما لم أكن لأستنتج هذه الملاحظات، المهمة بالنسبة لي.

وحقيقة الأمر فإن الحديث حول الأفكار التي طرحها الوثائقي يحتاج إلى عدة عناوين تكتب حول هذا الموضوع، ولكن ما أريد الحديث عنه الآن هي الفكرة الأساسية التي قام عليها العمل، وهو التوازن، وارتباطه بالعقل والإرادة الحرة، وعلاقتهما بالخالق آخر الأمر، والملاحظات التي سأذكرها هنا تباعا هي استنتاجي الشخصي، وليست رسالة الوثائقي بذاتها، أفكار استقيتها من الوقائع التي وثقها العمل وحسب.

(1) الخالق والخلق

بين التوازن الغيبي، والقوانين وارتباطها بالارادة الحرة والعقل

يتطرق الوثائقي في أول نصف ساعة تقريبا لتكون الأرض، وتطور ما عليها من عناصر، مركزا على مسألة أساسية هي التوازن الدقيق بين كل شيء، بين الآكل والمأكول، من حيوانات ونبات ومياه وهواء، وكيف ترتبط حياة كل واحد منهما بالآخر، دون الحديث عن الإنسان في هذا الموضع.

هذا التوازن جعلني أفكر، هل إن الحيوانات التي لا تمتلك أثمن ما في الوجود، وهو العقل، تكيّفت بنفسها وعرفت كيف تأخذ مقدار كفايتها بذاتها وهي لا تملك العقل؟

هل إن هذه الدقة المتناهية في التوازن بين الماء والنبات والحيوانات هي نتيجة صدفة؟

وتجارب لكائنات لا تمتلك عقلا؟

على أي حال، لا أريد التوقف هنا طويلا، فالشق الثاني يكمل الفكرة.

أما الإنسان، الذي امتلك العقل، وبالتالي امتلك الإرادة الحرة، التي تشكل خطرا بحد ذاتها، ما دمنا نتعامل مع الانسان، الطماع، الميال بطبيعته إلى الشر، الأناني، الإرادة الحرة التي ستجعل منه يستخدم عقله لتسخير كل ما حوله لمصلحته الشخصية، غير آبه بالطبيعة، ما دامت العواقب الوخيمة تتطلب وقتا طويلا لكي تتجسد، ومن هنا بالذات، وُجدت الحاجة إلى القانون، القانون الذي ينظم إرادته، ويحد من طموحاته، ويوقف عبثه بما حوله، ويكبح أنانيته، فكانت الأديان، وكانت القوانين الوضعية، وسواء لمن لم يؤمن بالخالق الباعث للرسل، أو من آمن، فإن الأديان ستظل بصميمها، مجموعة من القوانين التي تنظم حياة الانسان، وتحفظ توازنه مع بقية المخلوقات، أما تطورها إلى منظومات تخريب فهو أمر منوط بالإنسان نفسه، وإرادته، ولا يتعلق بذات الأديان، خصوصا تلك التي تمتلك المرونة الكافية للتطور والتطوير.

ملخص [الارادة الحرة مرتبطة بالعقل، والحيوانات بلا عقل بحاجة إلى تنظيم إلهي يضبط توازنها، أما الانسان الذي امتلك الارادة الحرة بامتلاك العقل فهو بحاجة إلى قانون يكبحه لأجل التوازن، مرة يكون دينا، ومرة يكون قانونا وضعيا].

(ملاحظة: الصورتان من الوثائقي)

رفع 2