الخسارة الأقل كلفة

أكره كرة القدم لأسباب شخصية تماما، ولكني في أحيان كثيرة اجد نفسي وسط جمهورها الغاضب دون رغبة مني.
قبل ايام ذهبت مع صديقي “الريالي” الذي اراد مشاهدة مباراة ريال مدريد، توجهنا إلى مقهى شعبي في الكرادة – ارخيته – افضل الجلوس فيه عادة لأشرب الشاي وأشياء أخرى، بعيدا عن مقاهي المثقفين القريبة منه، لأنه يختلف عن تلك المقاهي بنوعية زبائنه.
أغلب رواد هذا المقهى من الكتاكيت، أو من صغار الكسبة، ينفتلون أول الليل إلى المقهى الذي يديره شاب اسمه مهند، ذاع صيته مرة على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مهارته في العزف على اقداح الشاي – للأحبة العرب، نسمي قدح الشاي العراقي الصغير: استكان، وهو قدح لا تجدوه إلا في العراق -، المكان شعبي تماما غير متكلف، ومهند يخدمك كأنك صديق شخصي، يدور بعينيه على زبائنه، يحفظ التفضيلات الشخصية لكل واحد منهم، مثل داعيكم الذي يكره السكر في الشاي، ينادي: باشا، ﭽـاي مو؟ أجيبه نعم، فينادي عماله: واحد بدون شكر للباشا، فأغنم منه الشاي الممتاز، ولقب الباشوية علاوة على البيعة! – بالمناسبة، كتب صديقي ايتش هومو الفراتي مرة مقالا عن مهند – .
على أي حال، أعود إلى مباراة الريال إياها، جلسنا أنا وصديقي متكئين عند الزاوية التي تقع أقصى يمين الداخل للجزء الداخلي من مقهى مهند – حيث انه سقف المساحة الواقعة أمام مقهاه –، تكدست أمامنا الكراسي، وشيئا فشيئا بدأت تتقارب، تلتصق ببعضها كقصب ينمو عشوائيا، مفسحة المجال لكرسي آخر وزبون آخر يتسمر أمام الشاشة الفضية، حتى ازدحم مثل قطار هندي، تخيل محل مربع بمساحة 5X5 تقريبا، تكدس فيه أكثر من اربعون شخص، تربعت جنبهم الاراكيل، ينفثون الدخان “بحسرة مفارگ” كما يغني ياس خضر، فبدا المقهى كحمام شعبي تكاثفت فيه الأبخرة والقهقهات والشتائم، وعجزت ساحبات الهواء عن مجاراة هذا الدخان المتكاثف، حتى ضاق الدخان بالدخان، يتعالى من أجواف شباب لا يتجاوز أكبرهم الثامنة عشرة، وكنت وصاحبي بينهم بعمر جدودهم.
في الكرسي الذي على يمين صاحبي جلس شاب في الثامنة عشرة – باعتباره تخرج لتوه من السادس الاعدادي – ومعه شقيقه الأصغر سنا، التفت الأخ الأكبر محدثا شاب آخر يجلس إلى يساري، أخبره أنه قدم أوراقه إلى الكلية العسكرية، ولكن الطبيب رفضه في الفحص الطبي.
رد عليه جاري: يمعود، تروح لكلية ما بيها بنات، وفوﮔـاها عريف جاسم مـﮕـابلك يوميا، وراها تروح للجبهة ويكتلوك داعش، شلك بهاي اللغوة.
فرد عليه الشاب: احسن مما أروح اصير طبيب واعالج واحد والله ياخذ أمانته ويكتلني ابن عم عريف جاسم لو ياخذ مني فصل يبيعني الأكو والماكو.
رد عليه الشاب: ومنو ﮔـال اريد اروح لكلية الطب؟
فتعجب الأول وتسائل: يعني قابل وين غير هذني الاثنين – العسكرية والطبية – أكو تعيين؟
رد عليه الشاب: اروح تحليلات مرضية.
ثم انبلجت الشاشة الفضية عن هجمة خطرة، فنسى الاثنان حديثهما، وتسمرت البواصر على المستطيل الأخضر، تتابع أقدام اللاعبين الذي أنفقت الملايين من الدولارات لتجميعهم في فريق واحد، استثمار طويل الأمد، تقف خلفه طوابير من الوظائف التي تعتاش على هذه الساحرة المتدحرجة بين الأقدام، بينما قبع شباب بعمر الورد هنا، يفكرون بطريقة يموتون فيها بطريقة اقل خسارة، وحسب.

عن الحياة وخياراتها (مترجم)

الكلمة أدناه هي لـ Sarah Bäckman وهي bodybuilder (لاعبة كمال اجسام) سويدية تعيش في الولايات المتحدة، الرياضة التي تفقد الرجال وهج الحياة وتجعل من يمارسها منهم يبدون كالتماثيل الصماء، فكيف بالنساء؟

على أي حال، رغم بساطة ما كتبته، لكن وصفها لتجربتها في الحياة عميق، وهي تثير أسئلة محيّرة، عن الحياة، وعن صورة الحياة في الغرب في مخيلتنا العربية، هي تقول (بترجمتي عن الانجليزية):

(انها لمفارقة جميلة ومبهجة أن افكر بأني أعيش اليوم ما اعتدت على ان يكون كابوسي الأسوأ في السابق، حينما كنت أعيش في السويد كنت بشكل جاد خائفة من أن اصبح ما نطلق عليه بالسويدية (Svensson) وهي كلمة تعني ان ينال المرء تعليما جامعيا، ويحصل على عمل جيد، يتزوج، يشتري سيارة، يحصل على منزل مع حديقة، يرزق بأطفال، ثم يعيش بعدها كالسنجاب ما تبقى من حياته بهذه الرتابة، وبمثل هذه الحالة لن تتمكن من الخروج عن الطريق لفعل ما ترغب انت بفعله خارج المعتاد، لأنك يجب أن تكون مثل كل أفراد المجتمع الآخرين، أو انك سوف تتعرض لانتقاد الناس، وهو الأمر الذي لم استطع يوما أن اتخيل نفسي أقوم به، لهذا بالأساس هربتُ إلى امريكا.

ولكن.. ما الذي أعرفه حقيقة؟

انا الآن متزوجة، لدي كلاب، منزل قديم في الضواحي، سيارة، في النهاية حياة بالضبط كتلتك الحياة التي كنت اعتبرها كابوسا حينما كنت تلك الفتاة القديمة في السويد، هل أن تفكيري تغير لأنني وجدت الشخص الصحيح لأعيش معه تلك الحياة التي كرهتها في السابق؟ أم ان الحياة ببساطة هي أكثر تنوعا وغنى بالألوان في الولايات المتحدة؟

شخصيا، اعتقد انهما الأمران معاً)

أليس من الغريب ان تتحدث فتاة سويدية عن رتابة معايير الحياة في بلدها؟ وان تقول بأنك لا يمكن ان تخرج عن أسلوب الحياة السويدي وإلا تعرضت للانتقاد؟ ورغم انها في النهاية تلمح إلى اختلاف طريقة الحياة في الولايات المتحدة (الحياة على الطريقة الأمريكية) ولا أباليتها، إلا انها تضيء على أمر آخر أكثر أهمية، هو ان تجد شريكا يشاطرك الرتابة تلك، بما يجعلها رتابة سعيدة.

وهنا أتسائل ألسنا نشتم مجتمعاتنا لذات السبب، منعك من الخروج عن المألوف؟

سؤال بحاجة لكلام طويل.

 

It’s pretty fun to think that I’m living what used to be my worst nightmare. When I lived in Sweden, I was seriously scared to be something we call a “Svensson” which means, you get a college education, get a good job, get married, get a car, get a house with a garden, get kids and then you live like a squirrel in a wheel for the rest of your life. You can’t stand out and do your “own thing”, you have to be “like everybody else” or people will judge you. It was something I couldn’t even dare to think about! So I basically escaped to America, and what am I know? I’m married, I have dogs, house out in the valley, car and life is exactly what would be a nightmare in Sweden according to my old mindset. Did my mind change because I found the right person to do it with, or is it because life simply is better and more colorful in the U.S? I think it’s both