رسالة من داخل الموصل الأسيرة

وردني من داخل الموصل الأسيرة (بتصرف)
خرجت اليوم كخروجي كل صباح مثقل بعتمة القبيحين الذين استباحوا مدينتي العريقة، متوجس من النهار، ادعوا الله ان يجعله يتعدى على خير، وأن يدفع عني الاحتكاك بهؤلاء الخارجين من زوايا التاريخ الموحشة المتوحشة، على أمل بطلوع شمس العراق الحرة مرة أخرى ليجلو ضيائها وجه هذه المدينة التي غار بهاؤها في وجنتها الندية.
كنت اقترب إلى المحل وأنا أبث هواجسي لأعماق نفسي خشية من الهواء الملوث بآذانهم الكريهة، اسعى إلى دكاني لأقيم أود اسرتي، وإحساس غريب يدور في أعماقي لم أعرف كنهه.
وصلت قرب باب المحل وإذا به مفتوح وعهدي به البارحة مقفل على يدي، لاحظت وجود امرأة وأطفال تبع لها، تراجعت مبهوتا، وإذا بسحنة رجل منهم تقتحم بصري، بادرني بالسلام ـ ما أبعدهم عن السلام واهله ـ وقال (لقد هربنا ليلة امس من القصف في الجانب الايسر ولم اجد مكانا إلا هنا)، كانت لهجته مغاربية، سألته لأكسر التوتر الذي قد يبين شعوري أمام هذا القادم من مجاهل التاريخ وأقاصي الأرض قلت: من وين حضرتك؟
فرد، أنا تونسي، ثم استطرد كالمذنب الذي يهرب بنفسه عن تهمة قبيحة (جئت بنية وانا الان بنية اخرى) وعاد فجأة ليسألني (ماذا تتمنون لنا) بماذا اجيب هذا الذي لابد أن تكون يداه قد تلطخت بدماء أخوتي وهو يبحث عن جنة مزعومة، بمَ أجيبه وبداخلي غضب تجاهه يعلم الله مداه، سكتُ ولم انبس بكلمة، فأعاد عليَّ سؤاله المرعب، هنا وكلته لربه الكريم المنتقم من الظالمين وقلت ان يجزيكم الله على قدر نيتكم وفعلكم، فضحك بروح شريرة وقهقهة شيطانية مرددا (ليس اكثر من هذا ليس اكثر من هذا) كانت المرأة والاطفال قد ركبوا السيارة، فاستدار الشيطان وقال لي وهو يخطو نحو سيارته (لم يعد لنا مكان امن في هذه المدينة …حان وقت الرحيل) نعم أيها المعتدي، لقد آن وقت الرحيل، والله المنتقم لنا منكم، وهنا عرفت أصل ذلك الشعور الغريب في أعماقي، انه الأمل، المعزز بتاريخ هذه الأرض العصية على الغزاة منذ أن نزل فيها الانسان الأول، أنه أمل عراقي يحميه رب العراق.