آلان شور.. التركيبة الغريبة للسربوت السرسري مع حس إنساني عالي

ظهرت شخصية آلان شور أول مرة في مسلسل (The Practice) الذي ظهر موسمه الأول عام 1997 واستمر حتى العام 2004.

ظهوره الخاطف والمؤثر في المسلسل، الذي انتهى بطرده من الشركة، مهد لأن يظهر ببطولة مطلقة في المسلسل الذي ستأخذ فيه شخصيته مساحتها الفعلية، مسلسل (Boston Legal) الذي استمر من العام 2004 إلى العام 2008.

بحسب موقع (FANDOM) ولد الان في الستينات، ينحدر من عائلة اسكتلندية ـ قومية روبن هود الذي سيتماهى الان شور معه في سرقة الاغنياء حتى يطرد من شركته القديمة ـ وتحتاج متابعة المواسم الخمسة لتستطيع تكوين صورة باهتة عن طفولته، وكيف تشكلت شخصيته، علاقته بأمه، وبصديقتها!

بطريقة ما، قدم المسلسل شخصية آلان شور بوصفها مرآة المعارضة الامريكية، ليبرالي، يتبنى آراء يسارية دون مواربة، على عكس خدنه وصديقه الصدوق، ديني كرين، المحافظ الجمهوري بدون تحفظ، مناصر الاعدام والسلاح، محب بوش، والداعم للحرب، بينما عارض آلان شور الحرب على العراق طوال المسلسل، ومسخر الجيش الامريكي مرارا في محاكمات سببت إحداها قطيعة بينه وبين ديني، قطيعة لم تدم طويلا، على الرغم من هذا، يحب آلان امريكا بشدة، ويجد نفسه مدافعا عن فكرة أمريكا الاساس، الحريات، والحقوق، ونصرة الضعفاء!

يتمتع بلسان طليق لا تكاد تفلت منه إذا امسكك بحديثه، ينثال في المحكمة دون توقف، يقف أمام المحلفين، ينطلق في مرافعة طويلة، يوظف فيها ثقافته العالية، وذكاءه منقطع النظير في ربط الأمور ببعضها، بإحداث بلبلة في قلوب المحلفين، استدرار عطفهم، ضميرهم، اخلاقياتهم، مخاوفهم الشخصية من أن يوضعوا موضع المتهم، وفي أحيان كثيرة لا يتورع عن أكثر الأفعال انعداما للياقة داخل المحكمة ليثبت وجهة نظره، ويوجه المحلفين حيث يريد، وتكاد تشعر أن جيمس سبايدر، الممثل الذي أدى الدور، يكاد أن يخرج عليك من الشاشة، تتابع حركاة يده، ترتفع وتنخفض، تعبيرات وجهه، انفعالاته الصادقة مع الدور، كأنه يتماهى ويذوب حتى التلاشي مع آلان شور، الضمير اليقظ، والصديق الجيد على الدوام.

معارض دائم للقوانين الجامدة، للسياسة الرسمية، لا يخاف مطلقا من العواقب القانونية لأفعاله، إنه ببساطة يتخذ كل السبل اللازمة لتحقيق نصر اخلاقي لموكل مظلوم، مهما بدت القضية خاسرة، لا أمل فيها، حتى لو كانت طريقته غير أخلاقية، ابتزاز، تهديد، هجوم غير شريف، لا يتورع عنها، ووصل به الحال إلى شن هجومين كاسحين على قدس أقداس النظام القضائي الأمريكي، المحكمة الاتحادية العليا، صفوة القضاة، في بلد يسيطر فيه قضاة هذه المحكمة على النظام عبر احتكارهم حق تفسير الدستور.

لكن هذه المسؤولية الأخلاقية العالية، والروح شديدة التأثر من تعرض الانسان للظلم، يقابلها قلب خاوٍ غير قادر على الحب، حب النساء، لدرجة أنه تخلى عن زوجته التي أحبها، وتوفيت لاحقا، ليتحدث عنها بشكل عابر، مرتعب من أنها كانت تفهمه تماما، وقادرة على التنبؤ بردود فعله وتصرفاته مهما حاول أن يكون مفاجئا، ليغرق في عبث تام، لا سكن ثابت ـ يعيش في فندق ـ لا امرأة في حياته، يحرص على أن يبعدهن جميعا حين يشعر أن واحدة قد اقتربت أكثر من اللازم، مثل تارا السمراء الجميلة، لتكون متعته الوحيدة، ومحل سكونه، هي شرفة ديني كرين، حين يتشاركان سيجارا وكأس من الخمرة آخر النهار، يتحدثان عن الحياة، والعمل، والقانون، والانسان، الرابط بين كل شيء.

آخر الأمر، وبغض النظر عن كون آلان شور “ضمير الامة الامريكية” فإنه نموذج لـ”السرسري” مع قدر عالي من الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه تحقيق العدالة وتقويض الظلم، والقدرة على الفعل في هذا الاتجاه، وتحقيق الانجازات، أنه بطريقة ما، دليل على أن التقاة، المترددين، غير قادرين على الفعل، بما يذكرني بتاريخ العراق، الذي قامت أغلب انجازاته على اكتاف السرسرية المغامرين، مع حس عال بالمسؤولية تجاه واجباتهم، حتى قال عدنان الصائغ، في قصيدته عن “العراق الذي يبتعد” أن هذا البلد:

نصف تاريخه أغان وكحل

ونصف طغاة