أرشيفات التصنيف: سياسة/دراسات

المؤسسة الدينية والدولة في العراق* بين طروحات الاسلام السياسي والنظريات البديلة

نشرت هذه الدراسة بالأصل في موقع فكر أونلاين، موقع مصري يهتم بالدراسات السياسية والفكرية، ولكن الموقع أغلق، لهذا أعيد نشرها هنا

علي عبد الهادي المعموري

مدخل

لقد صار واضحا للمتابعين ضرورة ملاحظة دور المؤسسة الدينية البالغ الأهمية عند محاولة دراسة البنى المجتمعية التي تؤثر على السياسة العامة للدولة في العراق.

وهذه الدراسة لا تحاول أن تقدم صورة شاملة عن هذا الموضوع، لأنه بغاية الصعوبة والتعقيد والسعة، ولا يمكن حصره بدراسة مختصرة مثل هذه، وفي واقع الأمر، فإن جل ما تهدف له الدراسة هو تقديم لبنة أساس تصح أن تكون كمدخل لدراسة جذور العلاقة بين الدولة، وبين المؤسسة الدينية، ثم الأحزاب ذات الطابع الديني في العراق، عبر تتبع منابعها الفكرية، ثم تلمس تلك المنابع في مظاهرها السياسية لاحقا.

ان هذه الدراسة هي عرض لأهم الأفكار التي تؤثر في العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية، والأحزاب الدينية في العراق، وهي تصح ان تكون كمدخل توضيحي أكثر من كونها دراسة تحاول الأجابة على أسئلة محددة وفق فرضية محددة كما هو معهود في الدراسات الأكاديمية.

وقد يكون من المحرج والخطر حقاً التطرق إلى هذه المسألة في العراق الحاضر، ولكن النية السليمة، والمعطيات التاريخية والحال الحاضر هي شفيع الدراسة في التطرق إلى هذا المسألة خصوصاً أنها تشكل ركنا أساساً في أزمة العراق الحاضرة رغم الوعورة الاكاديمية التي تجابه السائر في هذه الناحية البحثية.

وبقدر تحفظي على التحزبات الطائفية، ورفضي القاطع لها، وللعناوين المفَّرقة التي تقود إلى التناحر الطائفي مما راج في العراق اليوم، إلا أن طبيعة البحث العلمي والاكاديمي تستلزم تسمية الاشياء بمسمياتها، وهو ما دفع باتجاه ان أن اذكر في هذه الدراسة اسماء مسميات المؤسسات الدينية في العراق حسب الفاظها التاريخية التي يمكن ان تثير البعض.

ولعل أول ما يجب الإشارة إليه في هذا الصدد مما لابد من الحديث عنه بصراحة هو دور المسألة الطائفية عبر تراكمها السياسي في عمر الدولة العراقية الحديثة، ومن غير الممكن التطرق بتفصيل لهذا الموضوع في هذه الدراسة، ولكن لفهم دور الدين وكيف صارت المؤسسة  الدينية تؤثر في سياسة الدولة ووجودها فلابد من التطرق بصورة عابرة إلى هذه المسألة.

وقد وضع الملك فيصل الأول* يده على المشكلة منذ قدومه إلى العراق ومبايعته ملكا للبلاد، فقد كتب مذكرة أوضح فيها أثر ميراث الاحتلال العثماني التركي على العراق([1])، فقد كتب: ((ان العراق مملكة تحكمها حكومة عربية سنية مؤسسة على أنقاض الحكم العثماني، وهذه الحكومة تحكم قسما كرديا أكثريته جاهلة بينه أشخاص ذوو مطامع شخصية يسوقونه للتخلي عنها بدعوى انها ليست من عنصرهم، وأكثرية شيعية جاهلة منتسبة عنصريا إلى نفس الحكومة، إلا ان الاضطهادات التي كانت تلحقهم من جراء الحكم التركي الذي لم يمكنهم من الاشتراك في الحكم وعدم التمرن عليه والذي فتح خندقاً عميقاً بين الشعب العربي المنقسم إلى هذين المذهبين))، وبعد أن يستطرد في سرد مشاكل المجتمع ينتهي إلى القول: ((فإذا لم تعالج هذه العوامل بأجمعها، وذلك بقوة مادية وحكمة معاً ردحا من الزمن حتى تستقر البلاد وتزيل هذه الفوارق الوطنية الصادقة وتحل محل التعصب المذهبي والديني، هذه الوطنية التي سوف لا تكون إلا بجهود متمادية وسوق مستمر من جانب الحكومة بنزاهة كاملة، فالموقف خطر))([2]).

وهذه الملاحظة من الملك الراحل تفسر الكثير من المشاكل الاجتماعية والسياسية التي ظهرت في العراق وكان يقف خلفها التحزب الديني والمذهبي([3]).

فالصدام الطائفي ينطلق أساسا من تصورات دينية، وخصوصا في العالم الاسلامي العربي حيث تشكل مسألة الهوية الدينية حجر الزواية كبديل للهوية الوطنية([4])، وهو يمثل تهديداً رئيساً للوحدة الوطنية، وسلامة السياسة، والأمن الوطني بطبيعة الحال ما هو إلا استقرار تلك الامور مجتمعة.

ويذكر د. غسان العطية ما يؤيد هذا حينما يصف الدولة العراقية التي قامت في العراق بعد الحرب العالمية الاولى بأنها كانت ((عبارة عن لملمة فليس في التاريخ كله دولة اسمها العراق))، من جانب آخر يطرح ما يوضح ان الرغبة التي تحدث عنها الملك فيصل الاول في بناء لحمة وطنية، وإشراك من لم يشركوا في الحكم من قبل قد تحققت بدرجة كبيرة في العصر الملكي، بل زادت نسب العرب الشيعة في الوظائف الحكومية والجيش والادارات على غيرهم، ولكن الاقصاء الطائفي بدأ في المراحل اللاحقة المتأخرة بعد انتهاء العهد الملكي، كما يذكر د. العطية([5]).

وبالعودة إلى المسألة الطائفية، يلاحظ أنه وبالرغم من الفروقات المذهبية التي استغلتها الجماعات المتشددة في العراق للقتال فيما بينهما، إلا انها تتوحد في الكثير من الأمور النظرية للمفارقة.

فمسألة عالمية الاسلام، وضرورة الاحتكام للشريعة في السياسة والحياة تشكل منطلقا واحدا للحركات الاسلامية جميعها([6]).

وإذ يجدر التطرق إلى بعض الاختلافات بين النظرة إلى السياسة والعلاقة مع الدولة بين المؤسستين السنية والشيعية إلا انه من الضروري الاشارة إلى ان الطرفين بحد ذاتهما لم يكونا على واقع انسجام داخلي ووحدة تامة في تلك النظرة إلى الدولة، فقد وقفت بعض فئات المؤسستين مع الدولة، فيما عارضتها أخرى، على تفاوت بين الاثنين بطبيعة الحال، مما يجده المتتبع للتاريخ السياسي للعراق([7]).

أولا: الدولة في الفكر الديني الحديث في العراق.

ان من الشائك والعسير حقاً أن نقدم عرضا وافيا للتفكير في الدولة عند المدارس الإسلامية بمختلف مشاربها، وأثر ذلك في توجهات المؤسسة الدينية في العراق حول السياسة من ثم، فالموضوع لسعته وتعدد التأويلات والشروح ووجهات النظر حوله سوف يوقعنا في مطب مادة نظرية تستلزم جهدا بحثيا مستقلا لها، للإلمام ــ مجرد الالمام ــ بجوانبها دون القدرة على الإحاطة التامة بها فضلا عن استيعابها.

وإزاء هذا، سوف نحاول قدر الإمكان ان نسوق أهم الركائز الاساس التي تتمحور حولها نظرية الدولة في المدارس الاسلامية المختلفة، لنلج بعدها إلى تلمس أثر ذلك في المؤسسة الدينية في العراق بشقيها الكريمين.

ونستطيع القول ان هناك عنوانين رئيسين يمكن ان نلج عبرهما للموضوع:

1ــ الميراث التاريخي للحكم الاسلامي.

يتلخص بالرؤية الاسلامية التقليدية بين المذهبين، وهي الخلافة عند المذهب السني، والإمامة عند المذهب الشيعي.

فالخلافة تستند إلى أن الخليفة يقوم مقام الرسول (ص)، فهو خليفته في إقامة الدين وسياسة الدنيا، ولكون الخير العام الذي تقوم عليه فلسفة الدولة في الاسلام ينتهي إلى مصلحة عليا هي إقامة المجتمع الإسلامي كما صوره القرآن الكريم، وأطرته السنة النبوية الشريفة، وحيث أن وظيفة الرسول (ص) هي التبليغ عن الله عز وجل، ووظيفة القيام على أمر الله، وسياسة الدنيا به، وحين وفاته فقد انتقلت الوظيفتان إلى خليفته، بملاحظة ان وظيفة التبليغ قد انتهت بكمال الرسالة وتمام الدين وموت الرسول، فبقيت الوظيفتين الاخرتين اللتين يجب ان ينتخب المسلمون من يقوم بهما([8]).

وتتمثل عملية انتخاب الخليفة بمبدأ الشورى، وهو ما حدث في اجتماع سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة، الذي أفضى إلى انتخاب الخليفة الراشد الأول ابي بكر الصديق وتأسيس دولة الخلافة الراشدة([9])، التي شكل قيام الدولة الأموية نهايتها، ونهاية مبدأ الشورى، إذ قامت على العصبية القبلية، ونظام توارث الحكم([10]).

أما الإمامة، وعند الشيعة الاثنا عشرية الامامية خصوصا، فهي تستند إلى النص والتعيين، أي أنهم لا يرون الشورى في تعيين خليفة النبي، بل إن النبي قام بنقل نص إلهي عيّن فيه الإمام بعده، الذي يقوم عقب وفاته، وإليه تؤول صلاحيات التشريع بعده، ويكون الإمام فيه معصوما بعصمة تختلف عن عصمة النبوة الإلهية، إذ تتمثل العصمة عند الإمام بكونها ((قوة في العقل تمنه صاحبها من مخالفة التكليف مع قدرته على مخالفته))، ويوصي كل إمام بوصيه، أي إمام بعده، وبالمثل فقد أوصى الرسول (ص) بنص الله للإمام علي بن أبي طالب ليكون خليفته([11]).

2ــ انتهاء الخلافة وغياب الإمام.

نعني بهذا مجمل النظريات السياسية الإسلامية التي تبنتها حركات الاسلام السياسي لتفسير قيام الدولة في ظل انتهاء عصر الخلافة، وغياب الإمام المعصوم.

وتجب الإشارة إلى ان مفهوم الدولة والرؤية تجاهها عند الحركات الإسلامية لا يسير في وتيرة واحدة، ويختلف باختلاف التجارب الفكرية لدى كتابها ورموزها.

ففي الوقت الذي نجد ان واحدا من أبرز هذه الآراء هو رأي مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا* يذهب إلى ان الاشكال الدستورية الغربية للحكم لا تتناقض مع الاسلام إذا ما تم تطويعها لتتناغم مع الشريعة الإسلامية، وإسنادها إلى مبدأ الشورى الإسلامي لتصبح في روحيتها غير متناقضة مع القرآن الكريم، وهو إذ يرى بأن المصدر النهائي لشرعية الشورى هي الجماعة، فانه ينتهي إلى ان امكانية تمثيل الجماعة عبر حزب واحد غير ممكن، مما يمهد لقبوله نظرياً بالآخر وحقه في الاختلاف، والتعددية السياسية، مع التأكيد على استثناء الأحزاب التي تناقض وحدانية الله([12]).

وبالرغم من ذلك كله، فإن الخلافة الاسلامية تشكل الركن الأساس من فكره حول الدولة، وهي تعد الهدف النهائي لشكل الحكم الذي يجب أن يوجد على الأرض، وهي تعتبر رمز الوحدة الاسلامية الذي قُوّض بإلغائها على يد مصطفى كمال، لينصرف في النهاية إلى الإيمان بضرورة تبني منهاجاً إصلاحياً يقوم على شد المسلمين في تعاون اقتصادي واجتماعي وتربوي تمهيداً لإحياء الخلافة([13]).

بينما نجد ان سيد قطب* يسير في منحى آخر يسميه د. احمد الموصللي (الاستبعاد المتشدد) ويعتبر خطاب سيد قطب الخطاب المؤسس لهذا الفكر التشددي عند الحركات الاسلامية المعاصرة، فهو على نقيض البنا يستبعد أي دور للآخر ــ عدا الاسلاميين المتشددين ــ في الدولة والحياة، بل هو قد صنف جميع الآخرين الذين لا يقفون موقفه على انهم كافرين، وأن المجتمعات الحديثة تعيش في جاهلية رغم كونها تعد اسلامية من الناحية النظرية، وهو ينطلق أساسا من فكرة حاكمية الله([14]) التي هي المكون السياسي للتوحيد، وهو يرى أن المجتمعات حرة ما لم تنتهك حاكمية الله، التي تشكل جوهر النظام السياسي والاجتماعي والديني، مما يعني ان علوية التشريع؛ وألوهيته تسلب الافراد والدول الحق في اصدار التشريعات وتحديد الواجبات، لينتهي إلى ضرورة التزام الناس، مسلمين وغير مسلمين بالشريعة الاسلامية([15]).

وعلى طرف ثالث نجد أن حسن الترابي* يسير باتجاه مغاير للاثنان معا، فهو يسقط عدة شروط من تلك التي يفترض أن يؤطرها الدستور الاسلامي وطبيعة المؤسسات التي تنتج عنه، وهو يسترسل ليضع حدوداً إسلامية لوظيفة الدولة حتى تقترب لليبرالية، ليرى ان على الدولة الاسلامية أن ((لا تتعدى حدود وضع القواعد العامة التي تمكن المجتمع من تنظيم أموره، إذ ان الشرعية تحد من سلطة الدولة، وتحرر المجتمع إلى أقصى الحدود، على أساس ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عمل المجتمع لا الدولة))، ثم ينتهي إلى ضرورة وجود تعدد في الآراء، والاجتهادات، لأن الظروف الحاضرة للمسلمين تتطلب منهم إيجاد فهم جديد للدين يتجاوز الاصول التقليدية إلى تطوير أصول جديدة تناسب الحداثة([16])، فجمود الاسلام في هيئته التقليدية ــ بتعبيره ــ هو عصبية تحجبه وتقطعه، وتمنعه من أن يتجدد في الزمان والمكان، بل هو يذهب إلى ان دائرة الاسلام لم تؤسس على مركزية مطلقة، وأن الاقطار التي دخلت فيه تركت لها حرية واسعة في مذهبها الفقهي وسلوكها السياسي، بل حتى سمحت بتعدد الأئمة([17]).

أما في المدرسة الشيعية، التي يستند قيام الدولة بعد الرسول (ص) فيها إلى نظرية الإمامة كما أسلفنا، فقد وقعت في حرج تفسير العلاقة بين اتباعها والدولة في حالة غياب الإمام، وإذ استندت تقليدياً وفيما يخص الشأن الديني إلى تطوير فكرة تقليد الفقيه الذي هو نائب الإمام بالاستناد إلى احاديث عن أئمة أهل البيت منها الحديث المروي عن الامام الثاني عشر عند الشيعة الامامية الذي ينص على ((وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله تعالى))([18]).

وإذ حل التقليد مشكلة المرجعية الدينية فإنه لم يحل مشكلة الدولة وتفسير قيامها، لهذا دأب الشيعة على وصف السلطات التي تقوم في زمن غيبة الإمام المعصوم بأنها (سلطة زمنية) حتى وإن كانت سلطات شيعية([19]).

وحتى في الحالات التي وجدت فيها دول دان حكامها بحد أدنى من التشيع، ووافق الحاكم رجال دين كبار، مثل ما حدث في الدولة الصفوية على سبيل المثال، فإن رجال الدين هؤلاء لم يسلموا من النقد على موقفهم، واعتبروا لدى البعض وعّاظ سلاطين([20]).

وفي الحقيقة، فإنه من غير الملائم في هذا المحل التطرق إلى التطورات التاريخية التي مرت بها مدرسة الشيعة الاثني عشرية في الرؤية تجاه الفقيه والسياسة والدولة الزمنية، ولكن ما يعنينا حقا هو ما حدث بداية القرن العشرين وانطلاق حركة المشروطة في إيران حيث بدأت الافكار الحديثة لشكل العلاقة بين الدين والدولة والشعب والحاكم تأخذ صدى واسعا في العراق خصوصا على خلفية ما يحدث في إيران([21]).

فالصراع الفكري الحقيقي حول المشروطة كان يدور في النجف بين زعيمين، اتجاه يتبنى المشروطة (أي الدستور) يقوده الشيخ محمد كاظم الخراساني، واتجاه المستبدة بقيادة السيد محمد كاظم اليزدي، وقد تبلور اتجاه المشروطة برسالة الشيخ محمد حسين النائيني* (تنبيه الأمة وتنزيه الملة)، حيث يفترض د. عبد الجبار الرفاعي أن التفكير في الدولة في مدرسة النجف الدينية ((منذ مطلع القرن العشرين حتى تمام النصف الأول من هذا القرن كان خارج المدونة الفقهية، هذه هي المرحلة الأولى، وتبدأ المرحلة الثانية منذ مطلع خمسينات العقد السادس من القرن العشرين، فقد توغل التفكير في الدولة داخل إطار المدونة الفقهية))([22]).

ولكن يختلف البعض مع وجهة النظر هذه بالذهاب إلى ان كتاب النائيني لم يحدث الأثر المطلوب في البنية الفكرية السياسية الشيعية، خصوصا ان زعيم المستبدة، محمد كاظم اليزدي اصدر كتابه (العروة الوثقى) الذي اوقف فيه حركة الاصلاح الفكري عبر تأطير ما هو مقدس عبر القران والسنة والاجماع بما يجعله فوق المحاولات الاصلاحية([23]).

كما ان من الباحثين من يرى بأن المدرسة الاسلامية الحديثة في العراق وإن كانت مؤمنة ومطالبة بدولة دستورية تقوم على الانتخابات الحرة والحياة البرلمانية، إلا ان هذه الحركة لم يقدر لها ان تنمو وتتكامل([24]).

ويُلاحَظ أيضا التباين بين مفكري هذه المدرسة على حد سواء مع المدرسة الأولى، بل حتى في المواقف للمفكر الواحد نفسه، ففي الوقت الذي كتب فيه الشيخ محمد مهدي شمس الدين كتابه (نظام الحكم والإدارة في الاسلام) سنة 1954 ليدلل فيه على ان الاسلام يمتلك نظاماً واضحاً ومحددا للحكم، ليرفض فيه الأسلوب الديمقراطي في اختيار الحاكم الذي عده غير مشروعا، نجده وبعد ثلاث عقود يعود للكتابة حول الديمقراطية لتصبح ((… هي الحل الوحيد للمجتمعات الاسلامية، ليتناغم مع النائيني في تنبيه الأمة وتنزيه الملة في البحث عن مشروعية شعبية دستورية ودولة غير منبثقة من الفقه…))([25]).

وكتب السيد محمد باقر الصدر* عام 1958 تصورات أولية اطلق عليها (الأسس) وهي تسع مرتكزات صاغ عبرها تصوره للدولة الاسلامية، وقدم فيها تعريفه للاسلام، ومفهوم الدولة واصنافها، وشرح شكل النظام الاسلامي المطلوب من بينها([26]).

وكتب الشيخ محمد الخالصي* عن الحكومة في الاسلام، محاولاً ((صياغة تكييف فقهي لنمط حكومة تكون الاولوية فيها للفقيه))([27]).

وإذ وضع الخالصي الاولوية للفقيه في شؤون الدولة في رؤيته لها، إلا ان التطور الابرز في مسألة دور الفقيه في الحكم كان ما قدمه روح الله الخميني حول نظرية ولاية الفقيه، التي تعد بوصفها عقيدة دينية سياسية الشكل النهائي لما تجلت عنه الصيرورة التاريخية السياسية لتسيّس الفقه الشيعي([28]) ــ بتعبير فؤاد ابراهيم ــ والتي طورها الخميني بالاستناد إلى بعض الميراث الفقهي الشيعي الذي تناول دور الفقيه في عصر غيبة الامام، مثل فتوى الشيخ جعفر الجناجي* الذي ذهب إلى ان الفقيه الجامع للشرائط يقوم حقيقة مقام الإمام وليس في الشرعيات وحسب، بل ان صلاحياته تمتد إلى إدارة البلاد والعباد، والمال العام، وهو ((يتحدث هنا عن الفقيه باعتبار الوالي بالأصل وان السلطان تالٍ له ومستمد شرعيته من إذنه))([29]).

وتطورت نظرية الخميني وأخذت صداها خصوصا بعد نجاح الثورة الإيرانية، وهي لا تزال مؤثرة على فكر الكثير من الأحزاب السياسية في العراق([30]).

ولكن باحثا آخر في هذه المدرسة يرى أن الاسلام لم يقدم نمطاً للدولة، وأن النصوص الدينية تحدثت عن الدولة كضرورة، ولم تتطرق إلى تفاصيل قيامها وطبيعة شكلها، عدا أنها ضرورة لأنها لازمة للانتظام والنظام العام، ((الأمن والفيء، أي الانسان والعمران، بما يقتضي ذلك من إطلاق حرية التملك المضبوطة بالشريعة، حتى لا تتفاقم الفوارق الطبقية، ويستولي الجور على الاغلبية الساحقة من الناس فتعم الفوضى))([31])، وهو ينتهي إلى أن شكل الدولة وطريقة تشكلها ليسا شأن الدين، سواء كان الاسلام أم غيره من الاديان([32]).

وهي الفكرة التي سبق للشيخ علي عبد الرازق ان طرحها في كتابه الاسلام وأصول الحكم الذي طبع أول مرة عام (1925)، حيث رأى ان الخلافة ليست من أصول الدين وهي مسألة دنيوية سياسية اكثر منها دينية، وان القرآن والسنة لم يوردا ما يبين كيفية تنصيب الخليفة أو تعيينه([33]).

ومن هنا نصل إلى محاولة فهم أبرز قوة دينية في النجف تؤثر اليوم بشكل فاعل على النظام السياسي في العراق، وهو المرجع الاعلى السيد علي السيستاني، حيث يذكر د. عبد الجبار الرفاعي أنه ــ السيستاني ــ يجد ان النظام السياسي في العراق يجب أن يقوم على ((مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء البلد في الحقوق والواجبات، و حيث أن أغلبية الشعب العراقي من المسلمين فمن المؤكد انهم سيختارون نظاماً يحترم ثوابت الشريعة الاسلامية مع حماية حقوق الاقليات الدينية)) وإذ أكد أكثر من مرة على ضرورة الانتخابات في هذا السبيل، فإنه ــ وكما يذكر د. الرفاعي ــ قد انتهى إلى أن مشروعية السلطة تستند إلى الشعب عبر الممارسة الانتخابية، وما ينتج عن صناديق الاقتراع، أي ان المشروعية شعبية وانه لا يفكر بحكومة دينية، وهو ما أكده حينما قرر أنه ((لا يصح أن يزج برجال الدين في الجوانب الإدارية والتنفيذية وأن يقتصر دورهم على التوجيه والإرشاد والإرشاد والإشراف على اللجان التي تشكل لإدارة الأمور الدينية وتوفير الأمن والخدمات العامة للأهالي))([34]).

وعلى هذا الأساس فإن المؤسسة الدينية في النجف وجدت نفسها بعد 2003 منخرطة في التأثير المباشر في عملية بناء الدولة، سواء عبر دعوتها للانتخابات وحرصها عليها، أو عبر الإشراف على اختيار اعضاء قائمة تدخل الانتخابات([35]).

ويذهب د. متعب مناف إلى أن السيستاني لا يقبل بولاية الفقيه، تفادياً لمشاكل الدولة الدينية، كما انه في هذه الحال وبالطريقة التي مارس نفوذه صار صانع الملوك أو الرؤساء، يصنعهم ولا يصنعونه ــ بتعبير د. متعب مناف ــ([36]).

اما الآن فسوف نتطرق إلى الميراث التاريخي لدور المؤسسة الدينية في العراق الحديث.

 

ثانيا: المؤسسة الدينية والدولة العراقية الحديثة.

لقد لعبت المؤسسة الدينية ورجالها دوراً مهماً في هذا الشأن منذ الإرهاصات الاولى لقيام الدولة العراقية الحديثة.

فمع دخول القوات البريطانية الغازية العراق في بداية الحرب الحرب العالمية الأولى عام (1914) ثم احتلالها لبغداد عام (1917) هبت المؤسسة الدينية لاستنهاض العشائر العراقية لقتال البريطانيين دفاعاً عن الدولة العثمانية رغم مساوئها، لكونها تمثل دولة المسلمين، بل اشترك المجتهدين الكبار من رجال الدين بانفسهم في القتال ضد البريطانيين، مثل السيد محمد سعيد الحبوبي([37]).

ويُلاحظ ان البريطانيين فهموا منذ البداية دور رجال الدين في العراق، فقد بادروا في مسألة الاستفتاء على شكل الحكم في العراق إلى تكليف قاضيي المذهبين الإسلاميين في بغداد بأن يبلغ كل منهما طائفته بأمر الاستفتاء وأن ينتدبوا ممثلين عنهم للاشتراك في اجتماع تعقده السلطات حول الموضوع وحشد الرأي لوجهة نظر بريطانيا في الموضوع([38]).

وإذ يُذكر ان البعض من رجال الدين سارعوا إلى تأييد وجهة النظر البريطانية وطلب الانتداب دون إقامة حكم وطني في البلاد، إلا انهم جوبهوا بمعارضة شديدة من رجال دين آخرين([39]).

كما وقد كتب الحاكم البريطاني العام (3 محرم 1339/1920) إلى احد كبار رجال الدين يدعو أهالي الفرات الاوسط ــ عبره ــ إلى عدم الاشتراك في ثورة العشرين وأجابه الشيخ بجواب فيه الكثير من التهديد والوعيد([40]).

وقد لعبت المؤسسة الدينية ورجالها دوراً في إنشاء الدولة العراقية الحديثة، فقد وقف رجالها ضد مشروع البريطانيين بإدامة الاحتلال دون إقامة حكم وطني، واحتدم الجدل في النجف، بوصفها مركزا دينيا مهما، بين البريطانيين وشيوخ العشائر والوجهاء ــ الذين يقف خلفهم رجال الدين ــ وإصرارهم على إقامة حكم وطني عراقي يقوم على رأسه أحد أنجال الشريف الحسين بن علي([41])، مما أدى إلى اندلاع شرارة ثورة العشرين([42]).

وعلى هذا الاساس، وسعيا منهم لإطفاء التمرد، شكل البريطانيون وبإدارة سير بيرسي كوكس حكومة مؤقتة وضع على رأسها رجل دين بارز شغل مناصب دينية مهمة في العصر العثماني هو السيد عبد الرحمن الكيلاني النقيب([43])، حيث يذكر حنا بطاطو ان النقيب وظف نفوذه بقوة إلى جانب البريطانيين([44]).

وبعد أن قام الحكم الملكي، وتولى الملك فيصل الاول حكم العراق، استمر دور المؤسسة الدينية في التأثير على الشؤون السياسية وأمور الدولة.

فأول وزارة شكلت في عهد الملك فيصل الاول، ورأسها عبد الرحمن النقيب أيضا بضغط من المندوب السامي البريطاني، فإن الملك فيصل أصر على أن يكون الشيخ عبد الكريم الجزائري* وزيرا للمعارف فيها، رغم ان الملك كان يعرف انه سيرفض، ولكنه كان يريد تكريم دور رجال الدين في النجف ودعمهم لترشيحه ملكا([45]).

وقد بدا دورهم واضحا في دعم الملك ضد الانتداب، وفرض معاهدة مع بريطانيا تتضمن وضع العراق تحت الانتداب البريطاني، وهو ما أشرنا له سابقا، وقام رجال الدين بحشد فئات  الشعب المختلفة بطوائفها وأعراقها في سبيل دعم الملك تجاه المعاهدة، التي قطع الملك المفاوضات بشأنها، ثم بدأت اعتداءات الاخوان بقيادة ابن سعود على العراق في موقف فُسر بأنه للضغط على الملك فأخذ رجال الدين زمام المبادرة بالدعوة إلى عقد مؤتمر يضم جميع العراقيين لدعم الملك في تصديه للاعتداءات الخارجية، وسعيه لاستقلال العراق وهو ما تحقق في مؤتمر كربلاء في (9/4/1922)([46]).

وبعد أن استقر رأي الملك على إجراء الانتخابات رأت المؤسسة الدينية أن اجرائها ليس مناسبا في ذلك الوقت، خصوصاً أن المجلس التأسيسي سيكون من شأنه النظر في اجراء معاهدة مع بريطانيا والعراق في وضع ضعيف لا يسمح له بأن يكون طرفاً قوياً في الانتخابات فصدرت الفتوى الدينية بتحريم الانتخابات، ولإصرار الملك عليها، وإصرار المؤسسة الدينية على تأجيلها، وهو ما أدى إلى نفي مجموعة بارزة من رجال الدين وشيوخ العشائر([47]).

ويجدر الإشارة إلى ان الرئيس الثالث لمجلس الاعيان العراقي في العهد الملكي كان هو السيد محمد الصدر*، كما ان السيد هبة الدين الحسيني (الشهرستاني)* كان رئيسا لمحكمة الاستئناف في العراق([48])، وكلاهما من رجال الدين البارزين.

وبعد الانقلاب العسكري 1958 وقيام الحكم الجمهوري في العراق، استمر دور المؤسسة الدينية الفاعل في التأثير على الدولة والحياة السياسية، فقد اصدر السيد محسن الحكيم* فتواه المعروفة في حرمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي، التي أثرت كثيرا على عمل الحزب، واستغلتها الحركات السياسية الاخرى في عملها ضد الحزب الشيوعي وضد عبد الكريم قاسم([49]) ووقف رجال الدين بحزم تجاه قانون الاحوال الشخصية عام 1959 الذي ادى إلى القطيعة بين رجال الدين وبين عبد الكريم قاسم([50]).

فضلا عن ذلك فقد تأسس (الحزب الاسلامي العراقي) ــ فرع الاخوان المسلمين في العراق ــ برعاية السيد محسن الحكيم([51]).

وبعد الإطاحة بعبد الكريم قاسم، وحتى العام 2003، استمرت المؤسسة الدينية بلعب أدوار مختلفة ومتفاوتة التأثير، فقد تأسست احزاب إسلامية برعاية رجال دين، وبدأت تتبلور نظريات  في الحكم الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والفلسفة والمجتمع عبر المنظور الديني([52])، مما أدى في أحيان كثيرة إلى أن تصطدم الدولة بالمؤسسة الدينية، وان يتعامل النظام السياسي مع رجال الدين بقسوة، بالغة([53])، دون أن نغفل دور رجال الدين في الأحداث التي أعقبت غزو الكويت عام 1991 وأثر ذلك على رجال الدين، والمجازر التي حصلت بحقهم، مرورا بتحرك المرجع الديني السيد محمد الصدر في تسعينات القرن الماضي، ثم اغتياله([54]).

خاتمة

ان هذه الدراسة سعت إلى ان تمنح باقتضاب شديد صورة عامة عن طبيعة العلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية في العراق، ضمن تأثيراتها الإسلامية العامة من جانب، والخصوصيات العراقية من جانب آخر، على أمل ان تكون هذه السطور تمهيدا محفزا للتوسع في دراسة هذا الموضوع الذي صار حجر الزاوية في المشكلة العراقية.

وكلي أمل أن تكون قد نجحت في أداء الهدف الباعث على كتابتها.

الهوامش

* بالرغم من أن د. متعب مناف يرى ان وصف (مؤسسة) لا ينطبق على المؤسسة الدينية الشيعية خصوصا في العراق، ((لأن المؤسسة تحكمها رؤوس وفيها قواعد وأفراد القواعد معينين كالموظفين، كما يحدث في الأزهر، لكن الحوزة ليست كالازهر))، وهو يذهب إلى أنها اقرب ما تكون إلى تركيبة ما، إلا إننا وفيما يخص هذه الرسالة فسوف نستخدم مصطلح المؤسسة لتأطير دور الدين، ورجاله في التأثير على الدولة وسياستها العامة في العراق، انظر حول رأي د. متعب مناف ((فقيه الولاية))، لقاء مع أ. د. متعب مناف، مدارك، العددين15ــ16، ص15.

* الملك فيصل الاول: بن الحسين بن علي شريف مكة، ملك سوريا، ثم العراق، ولد عام1883، انتخب نائبا في مجلس المبعوثان العثماني عن جدة، عرف بنزعته العروبية، يعد مؤسس الدولة العراقية الحديثة، عرف بسعة أفقه، وقدرته السياسية الفائقة، ومهارته في ادارة الخلافات، توفي بظروف غامضة في سويسرا عام 1933، دفن في المقبرة الملكية في بغداد.

([1]) وهو ما ينطبق بطبيعة الحال على آثار الاحتلال الفارسي الصفوي أيضا، وإن بدرجة أقل، لأن العراق خضع في أكثر الأوقات للسيطرة العثمانية، الصفويين احتلوا العراق مرتين، وفي كلاهما كانت أمد سيطرة الصفويين قصيرا، وانتهى بطرد العثمانيين لهم، لهذا فإن التأثيرات العثمانية التركية هي الأكثر وضوحا.

([2]) السيد عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، (بيروت: الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، ط7، 2008)، ص10ــ12.

([3]) انظر بهذا الشأن د. علي الوردي، لمحات اجتماعية…، مصدر سبق ذكره، ج1، ص12.

([4]) انظر بهذا الشأن د. برهان غليون، المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1979)، ابتداء من ص44.

([5]) انظر اللقاء الذي أجري مع د. غسان العطية في د. أسامه مهدي، ((استقرار العراق وحاكمه رهن بالاتفاق الايراني الامريكي))، موقع صحيفة إيلاف الالكترونية، على الرابط:

http://www.elaph.com/Web/news/2013/12/856111.html?entry=Iraq

([6]) انظر د. احمد الموصللي، موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2005)، ط2، ص66. وانظر عمار الكعبي، ((الحياة الديمقراطية داخل الاحزاب السياسية العراقية حوارات مع ذوي الشأن))، مدارك، العدد الثاني، السنة الاولى (شتاء 2006)، ص14، والمقال هو مجموعة حوارات مع قيادات حزبية عراقية اسلامية وعلمانية بارزة.

([7]) يمكن على سبيل المثال الرجوع إلى دراسات مثل: حنا بطاطو، العراق، د. رشيد الخيون، لاهوت السياسية، الاديان والمذاهب في العراق، وغيرها من الدراسات.

([8]) د. عادل ثابت، النظم السياسية، (الاسكندرية: دار الجامعة الجديدة، 2007) ص197ــ297.

([9]) الموسوعة السياسية، مصدر سبق ذكره، ج3، ص208.

([10]) نفس المصدر، ج2، ص208.

([11]) د. محمود إسماعيل، فرق الشيعة بين التفكير السياسي والنفي الديني، (القاهرة: سينا للنشر، 1995)، ص98، 100.

* حسن البنا: مؤسس الاخوان المسلمين والمرشد العام الأول لها، ولد بمصر عام 1906، هو أحد اكثر الزعماء المؤثرين في الحركات الاسلامية في العصر الحديث، اغتيل عام 1949.

([12]) د. أحمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص138ــ139.

([13]) نفس المصدر، ص282.

* سيد قطب: مفكر اسلامي متعدد الانتاج، ولد بمصر عام 1906، حصل على تعليم جامعي، واظهر ليبرالية معارضة مبكرة، ثم ارسل إلى الولايات المتحدة لاكمال تعليمه، انتمى للاخوان المسلمين، شهدت حياته الفكرية تحولات عديدة انتهت به إلى انتهاج تشددية اسلامية استبعادية حادة ولدت من رحمها حركات التكفير المتشددة، اعدم أبان رئاسة جمال عبد الناصر لمصر عام 1966.

([14]) الحاكمية: ((عالمية الاسلام ترتكز على مبدأ الحاكمية الذي يفترض السيادة المطلقة لله في الكون، وهكذا فليس من مشرع إلا الله، ويعتبر أغلبية الاصوليون وجهة النظر هذه ليست مماثلة للحكومة الدينية، إذ انه على الانسان ان يطبق تشريع الله وشريعته ويمتنع عن الفلسفة التي تحدد المبادئ الأساسية المناقضة للشريعة…)) نقلا عن د. أحمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص230. وانظر: د. هاجر دوير البهادلي، ((الأساس التأويلي الإسلامي في الفكر الإسلامي الحديث))، في كتاب: واقع الفلسفة في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، اعمال المؤتمر الفلسفي العاشر لقسم الدراسات الفلسفية في بيت الحكمة 2010، أشراف د. حسام الألوسي اعداد م.م. هديل سعدي موسى (بغداد: بيت الحكمة، 2011)، ص531.

([15]) د. احمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص107

* حسن الترابي: مفكر اسلامي بارز، ولد في السودان عام 1933، ترأس حركة الميثاق الاسلامي وهي نتيجة لاتحاد الاخوان المسلمين مع الحركة الاسلامية للتحرير، اصبح وزيرا في حكومة جعفر نميري في السبعينات، يحمل شهادة الدكتوراه في القانون، شارك في كتابة دساتير عدد من الدول الاسلامية.

([16]) د. احمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص97.

([17]) انظر د. حسن الترابي ((البعد العالمي للحركة الاسلامية..التجربة السودانية)) في: د. عبد الله النفيسي (تحرير وتقديم)، الحركة الاسلامية: رؤية مستقبلية..اوراق في النقد الذاتي، (الكويت، بدون ناشر، 1989)، ص77، 85.

([18]) السيد محسن الحكيم، نهج الفقاهة، (النجف: بدون ناشر، 1390ه)، ص299، وقد علق الحكيم في هذا السياق قائلا بعد ان ذكر عدد من الاحاديث في هذا الموضوع ــ وفي المتن الحديث الثاني منها، وهو ما سيوجه الحكيم دلالته في الاقتباس ــ: ((هذا ولا يخفى أن ما ورد في شأن العلماء ــ مع ضعف سند بعضه ــ قاصر الدلالة على ثبوت الولاية بالمعنى المقصود فإن الأول صريح في إرث العلم، والثاني ظاهر في الائتمان على الأحكام وتبليغها)) مما يوضح وجهة نظره في عدم الذهاب إلى ولاية الفقيه المطلقة.

([19]) الشيخ محمد جواد مغنية، الشيعة والحاكمون، (بيروت: دار ومكتبة الهلال، دار الجمل، ط5، 1981)، ص9.

([20]) مثل نقد الشيخ ابراهيم القطيفي لموقف الشيخ الكركي في دعمه للسلطان الصفوي طهماسب وهو الموقف الذي دعم القطيفي فيه فقيه كبير آخر هو الشيخ أحمد الاردبيلي، انظر د. عبد الجبار الرفاعي، ((التفكير في الدولة في مدرسة النجف))، مدارك، (بغداد 2013) العددين (15ــ16)، ص34، كذلك النقد الذي وجهه د. علي شريعتي للشيخ محمد باقر المجلسي ووصفه ببطانة السلطان وغيرها من الصفات، في د. علي شريعتي، التشيع العلوي والتشيع الصفوي، (بيروت: دار الامير، ط2، 2007)، في عدة مواضع منها في ص124 و203.

([21]) للاطلاع على دراسة ممتازة في هذا الشأن ينظر فؤاد ابراهيم، الفقيه والدولة..الفكر السياسي الشيعي، (بيروت: دار الكنوز الأدبية، 1998)، وفيه عرض وافي لتحولات الفقه والممارسات الفقهية السياسية لدى علماء الشيعة الامامية حتى العصر الحديث.

* الشيخ محمد حسين النائيني: بن عبد الرحيم، ولد عام 1273هـ فقيه وأصولي بارز، هاجر إلى العراق عام 1303 لينظم إلى الحوزة العلمية، تعد رسالته تنبيه الامة وتنزيه الملة علامة فارقة في الرؤية الشيعية تجاه الحكم والسياسة، توفي في النجف عام 1355هـ.

([22]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص28.

([23]) عمار السواد، ((ارتدادات الاصلاح الديني في العراق))، مسارات، السنة الرابعة، العدد الاول، (2009)، ص66.

([24]) حسين درويش العادلي، ((الاصلاح الديني، المواطنة والديمقراطية نموذجا))، مسارات، المصدر السابق، ص74.

([25]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص28ــ29.

* السيد محمد باقر الصدر: فقيه مجتهد كبير، مفكر وكاتب إسلامي بارز، ولد في الكاظمية عام 1935، ينتمي إلى اسرة دينية بارزة تعود جذورها إلى جبل عامل بلبنان، يعده البعض مؤسس الحركة الاسلامية في العراق، له العديد من المؤلفات الفكرية المهمة في الفقه والفلسفة والفكر، أعدم عام1980.

([26]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص28.

* الشيخ محمد الخالصي: محمد بن الشيخ محمد مهدي الخالصي الكبير، رجل دين من اسرة دينية عربية عريقة، ولد عام 1888، له نشاط سياسي وفقهي واسع، ابعدته الحكومة البريطانية من العراق عام 1922 لنشاطه المعادي لها، عاد إلى العراق عام 1949، واستمر نشاطه الاجتماعي السياسي حتى وفاته عام 1963.

([27]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص47.

([28]) فؤاد إبراهيم، مصدر سبق ذكره، ص5.

* الشيخ جعفر الجناجي: (1743ــ1811) جعفر بن خضر بن يحيى المالكي، الجناجي، النجفي. فقيه عربي، أصولي، متكلم، الملقب بكاشف الغطاء، المرجع الاعلى في زمنه، ولد وتوفي بالنجف، من مؤلفاته: غاية المأمول في علم الأصول، كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء.

([29]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص35، ويشير البعض إلى ان هذه النظرية قد تحررت من المقولات السابقة للفقه الشيعي التقليدي، واقتربت وأثرت في الفكر السني الذي انفتح بدوره عليها (خصوصا عبر سيد قطب وابو الاعلى المودودي) ونقلت التفكير بالامامة من الفروع إلى الأصول، من الفقه إلى العقيدة في الفكر السني في الدولة، انظر: د. علي وتوت، ((نحو سوسيولوجيا للإصلاح الديني في العراق))، مسارات، السنة الرابعة، العدد الاول، (2009)، ص83.

([30]) انظر فالح عبد الجبار، اسماء جميل، الاحزاب السياسية في العراق، موقع معهد الدراسات الاستراتيجية، على الرابط:

http://www.iraqstudies.com/Home_files/iraqreportarabic1.htm

([31]) هاني فحص، ((الاسلام والديمقراطية))، في كتاب: الاسلام المعاصر والديمقراطية، (بغداد: وزارة الثقافة، مركز دراسات فلسفة الدين، 2004)، ص6ــ7.

([32]) نفس المصدر، ص13.

([33]) انظر: علي عبد الرازق، الإسلام وأصول الحكم، (القاهرة ــ بيروت: دار الكتاب المصري، دار الكتاب اللبناني، 2012).

([34]) د. عبد الجبار الرفاعي، مصدر سبق ذكره، ص54.

([35]) انظر: ((فقيه الولاية))، لقاء مع أ. د. متعب مناف، مصدر سبق ذكره، ص7.

([36]) نفس المصدر، ص14.

([37]) د. أحمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص326، وانظر د. علي الوردي، لمحات اجتماعية…، مصدر سبق ذكره، ج4، ص128، والسيد محمد سعيد الحبوبي هو فقيه عربي كبير، ومجتهد أصولي بارز، وشاعر فحل، ولد في النجف عام 1849، اشترك في قتال القوات البريطانية وقاد القوات المتطوعة في معركة الشعيبة التي هُزم فيها المجاهدون، ونقل بعدها إلى الناصرية، حيث توفي بها متأثرا بتلك الهزيمة عام 1915، لقب بحامل ألوية الشعر والفقه والجهاد.

([38]) عبد الرزاق الحسني، مصدر سبق ذكره ج1، ص127.

([39]) مثل البرقية التي أرسلها الحاكم العسكري البريطاني في النجف عن زيارة بعض رجال الدين له وتأييد بريطانيا ومباركتهم لانتصارها عام1918، وتأييد قاضي الموصل للانتداب، ويذكر عبد الرزاق الحسني ان بريطانيا كانت حريصة على أن يكون هناك فريق من المؤيدين لها امام الرأي العام من هذه النماذج من الوجهاء ومن رجال الدين، وفي الوقت ذاته أصدر المرجع الديني الشيخ محمد تقي الحائري فتوى حرّم فيها على المسلمين انتخاب شخص غير مسلم للامارة على العراق، وفي الموصل كانت موافقة القاضي موضع سخط شديد من الموصليين، انظر عبد الرزاق الحسني، ج1 ص117، وص130ــ131.

([40]) وهو شيخ الشريعة الاصفهاني، انظر: د. طارق نافع الحمداني، التدوين التاريخي في العراق، (لندن: دار الوراق للنشر، 2010) ص191.

([41]) انظر مثلا حول الرغبة العراقية التي قادها مثقفون ورجال دين في تولي أحد انجال الشريف الحسين بن علي علي عبد شناوة، الشبيبي في شبابه السياسي، (بدون مكان، دار كوفان للنشر، 1995)، ص119.

([42]) انظر د. طارق نافع الحمداني، مصدر سبق ذكره، ص190، وعبد الرزاق الحسني، مصدر سبق ذكره، ص132.

([43]) المصدر السابق الاخير، ص43.

([44]) نقلا عن د. حسن لطيف الزبيدي، موسوعة السياسة…، مصدر سبق ذكره، ص378. والسيد عبد الرحمن النقيب هو رجل دين بارز ينحدر من سلالة الشيخ عبد القادر الكيلاني الحسني، ولد عام 1845، شغل مناصب دينية مهمة في العهد العثماني، منها نقابة الاشراف، وعضوية مجلس التمييز، ومجلس إدارة ولاية بغداد، صار رئيسا لأول حكومة مؤقتة شكلها البريطانيون بعد الاحتلال، وتولى رئاسة الحكومة الاولى في العهد الملكي، توفي عام 1927.

* الشيخ عبد الكريم الجزائري: ولد في النجف سنة 1289هـ، فقيه عربي، شاعر، مجاهد، عرف بمواقفه الوطنية المشهودة ومقارعته للبريطانيين، عاش حياته في فاقة، وكذلك ابنه على منهجه رغم علاقاته الواسعة بالسلاطين، كانت له علاقة صداقة متينة مع خزعل المرداو امير المحمرة وشيخ كعب، وخربت بعد ان رفض الاخير دعم المقاومة ضد البريطانيين، وكتب له الجزائري: (فرق ما بيني وبينك الاسلام)، توفي1382هـ.

([45]) د. عبد الستار شنين الجنابي، تاريخ النجف السياسي، مصدر سبق ذكره، ص100.

([46]) ممن حضر المؤتمر من النجف ــ الداعية له ــ: الشيخ عبد الكريم الجزائري، والسيد ابو الحسن الاصفهاني، والشيخ محمد جواد آل صاحب الجواهر، والشيخ محمد باقر الشبيبي، فضلا عن سادات وشيوخ العشائر في النجف وما حولها، ومن بغداد الشيخ عبد الوهاب النائب، وابراهيم الراوي، وأحمد الشيخ داود، وعبد الجليل الجميل، ووفد الكاظمية برئاسة الشيخ مهدي الخالصي، ومن الموصل رأس الوفد مولود مخلص، رفقته سعيد الحاج ثابت، وأيوب عبد النور، وعبد الله آل رئيس العلماء، وعجيل الياور، وخول أهالي تكريت والشرقاط مولود مخلص بتمثيلهم في المؤتمر، ومن العمارة فالح الصيهود ومحمد العريبي، ومجيد الخليفة، وعثمان اليسر ومحمد الحطاب، فضلا عن وفود الناصرية وبعقوبة والسماوة والحلة وسامراء وكبار رؤساء العشائر، انظر د. عبد الستار شنين الجنابي، المصدر السابق، ص100ــ112.

([47]) السيد محسن أبو طبيخ، الرحلة المحسنية، (بيروت: دار الأضواء، ط2، 1998)، ص15، والسيد محسن ابو طبيخ هو أحد كبار شيوخ العشائر في منطقة الشامية جنوب العراق، وهو من الذين بايعوا فيصلا ملكا على العراق حينما كان في الحجاز، وقبل قدومه للعراق أصلا، وربطته بالملك فيصل الاول صداقة حميمة، ورغم ذلك فقد كان أول من نفي، بطلب شخصي من الملك فيصل له، إزاء اصراره على الالتزام برأي المرجعية الدينية تجاه رأي الملك، كما ذكر ذلك ابو طبيخ في نفس كتابه ص16، فغادر العراق، إلى مصر مرورا ببلاد الشام، والكتاب يوثق لرحلة النفي هذه.

* السيد محمد الصدر: رجل دين بارز، نجل المرجع الديني السيد حسن الصدر، ولد في الكاظمية 1948، رئس مجلس الاعيان، وصار رئيسا للوزراء، وألغى معاهدة بورتسموث التي عقدتها حكومة صالح جبر المستقيلة عام 1948، توفي عام 1956.

* السيد هبة الدين الحسيني: المعروف بـ(الشهرستاني) رجل دين، وزير ومصلح اسلامي، ولد في سامراء 1884، وتخرج من الحوزة الدينية في النجف وسامراء، ساهم في دعم الحركة الدستورية في إيران، أسس مجلة العلم، رأس محكمة الاستئناف ومجلس التمييز الجعفري في العراق عام 1923، توفي عام 1967.

([48]) د. احمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص326.

* السيد محسن الحكيم: فقيه كبير، المرجع الاعلى للطائفة الشيعية الاثنا عشرية في العالم، ولد في النجف عام 1889، امتدت زعامته لزمن طويل، عرف بمواقفه المتصلبة تجاه الحكومات المختلفة في العراق منذ العهد الملكي وحتى وفاته عام 1970.

([49]) د. حسن لطيف الزبيدي، موسوعة السياسة…، مصدر سبق ذكره، ص533.

([50]) ((فقيه الولاية))، مصدر سبق ذكره، ص20.

([51]) انظر: د. احمد الموصللي، مصدر سبق ذكره، ص249، ود. حسن لطيف الزبيدي، موسوعة السياسة…، مصدر سبق ذكره، ص69، ويذكر الزبيدي بأن السبب الرئيس وراء تأسيس الحزب قد يكون الخوف من النفوذ الشيوعي المتزايد، ورعاية الحكيم للحزب موضوع يستحق الدراسة.

([52]) على سبيل المثال كتب الشيخ عبد العزيز البدري (حكم الاسلام في الاشتراكية) وكتب السيد محمد باقر الصدر (اقتصادنا، فلسفتنا، الحكومة الاسلامية) وغيرها.

([53]) فعلى سبيل المثال، تم إعدام الشيخ عبد العزيز البدري (1930ــ1969)، وهو أحد كبار علماء الدين، انتسب إلى حزب التحرير الاسلامي، ثم جماعة الإخوان المسلمين، حبس في العهد العارفي عدة مرّات، ثم اعدم أبان رئاسة احمد حسن البكر للعراق، كذلك اعدام السيد محمد باقر الصدر الذي سبق ان اشرنا له، وغيرهم من علماء الدين، ومن المناسب هنا الاشارة إلى ما كان يتعرض له أي نشاط إسلامي مستقل مثل المضايقات التي تعرض لها الشيخ عبد الوهاب السامرائي رئيس تحرير مجلة التربية الاسلامية وإغلاق مجلته بسبب توجهاتها المستقلة، انظر رياض العزاوي، ((المفكر الاسلامي عبد الوهاب السامرائي.. حياة حافلة بالزهد والورع والتقوى))، المشرق، السنة العاشرة، العدد3768، الاثنين (14 تشرين الاول 2013)، ص7

([54]) علي السعدي، مصدر سبق ذكره، ص242.

ملاحظات على الطبقات.. استدراكات وتصويبات على كتاب العراق للدكتور حنا بطاطو، ج2و3

 

هذه الملاحظات تكملة لما سبق لي نشره من ملاحظات وتصويبات على الجزء الأول من كتاب العراق لحنا بطاطو، وهنا أغطي الجزئين الثاني والثالث.

  1. 2/60: رغم ما ذكره المؤلف عن توقف هجوم الشيوعيين على الدين إلا أن ذلك قد اقتصر على الخطاب التنظيري الرسمي للحزب، وإلا فإن الواقع العملي يبين ان الشيوعيين كأفراد ظلوا على طوال الخط على احتكاك هجومي مع الدين والمتدينين.
  2. 2/70: (حسن عباس الكرباس) والصحيح هو (الكرباسي).
  3. 2/74: هامش رقم (21) تعريفه للمومن (أو المؤمن كما ذكره خطأ) بأنه رجل دين من النوع المتجول تعوزه الدقة كثيرا، ولعله يخلط بين الروزةخونية وبقية رجال الدين.
  4. 2/169 وقع غلط مطبعي في ذكر تاريخ قانون العمل فجاء في الكتاب بأنه (رقم 72 لسنة 1963) وهو خطأ إذ انه (رقم 72 لسنة 1936).
  5. 2/191: في سياق الحديث عن زيادة عديد القوات البريطانية في العراق في العام (1946) كتب: ((في أعقاب زيادة في وجود القوات البريطانية في شُعَيَّب)) وهو غلط من المترجم، إذ المقصود (قاعدة الشعيبة) في البصرة جنوب العراق.
  6. 2/188: ورد تعريف (سعد صالح) بأنه (حاكم سابق يتمتع باحترام شديد) وهنا يقع التباس فالمقصود من كلمة (حاكم) في اللهجة العراقية هو من يشغل منصب (قاضي) الذي كان يسمى قديما (حاكم) بالتناغم مع (محكمة) بينما كان سعد صالح متصرف لواء الحلة وهو ما عاد المؤلف للإشارة له في هامش (71) ص223، وهو من أسرة نجفية معروفة هم (آل جريو)، ويبدو ان هذا التصرف من التباسات المترجم.
  7. 2/193: ورد اسم الوزير (صادق البصام) محرفا إذ كتب في المتن وفي الهامش (البسّام) وهو غلط من المترجم كما يبدو.
  8. 2/195: وهو ينقل شهادة القيادي الشيوعي (زكي بسيم) الذي اعتقل عام 1947 مع (فهد= يوسف سلمان يوسف) سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ورد ان زكي قال في شهادته وبعد ان تم تعذيبه سمع المفتش (نائل الحاج عيسى) قال بعد ان سلمه للشرطي: (إلى قبر الشيخ معروف) وفي الهامش كتب معرفا: (اسم احد الأولياء المسلمين) وفي هذه الملاحظات غموض لا يوضح المقصود، إذ أن الشيخ (معروف الكرخي) هو من كبار المتصوفة، ومقبرته في بغداد تقع اليوم على شارع مطار المثنى خلف السكة العالمية للحديد، وقد كان أهل بغداد يدفنون أمواتهم حول قبره منذ زمن طويل، والمقصود من عبارة المحقق تلك أنه قال له خذه إلى الموت.
  9. 2/209: أثناء الحديث عن وثبة كانون (1948) وردت تعبير (الشرقاوية) وهو تعبير غير دقيق ولعله من اجتهادات المترجم إذ الصحيح هو (الشروﮔـية) بالكاف الفارسية.
  10. 2/286: ورد اسم (وادي حوران) خطأ إذ كتبه المترجم بالهاء فجعله (هوران)، كما ورد اسم مدينة (حديثة) عدة مرات معرّفاً بأل التعريف وهو خطأ إذ أن اسم المدينة عاطل من التعريف، حديثة فقط.
  11. 2/286: في تداعيات المسيرة التي انطلقت بعد اضراب محطة k3 ووصول المتظاهرين إلى (عرب المحمدي) ذكر أنهم استقبلوا المتظاهرين باطلاق عيارات نارية وغنّوا لهم (الهوسة)، والعبارة ملتبسة ولا تنقل المعنى، (الهوسة) هي مقطع شعري يكون شطره الأخير اهزوجة يتم أدائها جماعيا بصوت عالي وضرب على الارض بالاقدام، يعني (يهوسون) بالعامية العراقية، وهي تقال في المناسبات وللتعبير عن المشاعر…
  12. 2/291: ورد اسم منطقة (الاعظمية) في بغداد مصحفا (الأدهمية) رغم انه كتب صحيحا في الجدول المقابل للصفحة (جدول 17-1).
  13. 2/342 وفي مواضع أخرى: ورد اسم حسين احمد الرضي (سلام عادل) مصحفا فكتب (الراضي) وهو خطأ.
  14. 2/397، الهامش (2) وقع خطأ في اسم الوزير والتاجر النجفي المعروف (عبد المحسن شلاش) فكتب (عبد الحسين الشلاش) والصحيح عبد المحسن شلاش.
  15. 3/60، ورد اسم أحد اطراف (جمع طرف، وتعني محلة) النجف الأربعة مصحفا، فكتب (الحوايش) والصحيح (الحويش) وهو خطأ من المترجم كما يبدو.
  16. ذكر اسم عبد الهادي الجلبي بوصفه (تاجر الاعظمية) والواقع ان الجلبي من أهل الكاظمية وأملاكه وبساتينه في الكاظمية وجانب الكرخ وإن سكن في مرحلة ما في الأعظمية من جانب الرصافة في بغداد.
  17. 3/102، في الهامش على الجدول رقم 6-4 وفي الحديث عن جاسم العزاوي عضو اللجنة الاحتياط للضباط الأحرار، إشارة إلى تشيع جاسم العزاوي بالقول (يوجد عدد قليل من العزة تشيعوا ومنهم جاسم العزاوي… الخ) وهي معلومة لا تبدو دقيقة تماما إلا إذا كان الحديث عن انتقال البعض مذهبيا بصورة فردية، إذ أن واحدة من أكبر عشائر العزة وأقواها هم ألبو محمد، وهم شيعة.
  18. 3/ 121 ورد اسم المجلس الذي تشكل بعد 1958 ليقوم بمهام رئاسة الجمهورية بصيغة خاطئة، حيث ورد (مجلس الرئاسة) والصحيح (مجلس السيادة).
  19. 3/ 165 الهامش رقم (125) خطأ في اسم علم، حيث ورد اسم القيادي الشيوعي سالم عبيد النعمان مصحفا فجاء (سليم) ويبدو انه خطأ من المترجم، وتكرر الخطأ مرة ثانية في الهامش رقم (20) ص208.
  20. 3/318، وقع خطأ في اسم محمود شيت خطاب، فجاء مصحفا إلى (محمد).
  21. 3/413، وقع خطأ في اسم أحد أهوار العراق، فكتب (العموقه) والصحيح (الغموقة) وباللهجة العراقية الأدق (الغموﮔـة) بالكاف الفارسية.
  22. 3/422، وقع خطأ في التعريف بعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الدكتور رحيم عجينة، فق وصفه بأنه عربي سني، والحقيقة أنه عربي شيعي، من مواليد النجف لأسرة نجفية تجارية معروفة تسكن طرف البراق، وقد صدرت مذكراته بعد وفاته عام 1995 في كتاب بعنوان (الاختيار المتجدد) عام 1998.

 

تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (5) الأخيرة

تقييم عام:

لقد حققت تجربة عمان التنموية نتائج باهرة من خلال استخدامها استراتيجية طويلة الامد تؤمن بالتدرج في النمو وفي المزج الناجح بين القطاعات الاساسية في عملية التنمية.

فالتناسق الذي حققته مداخل التنمية اثمر بصورة رائعة من خلال تناسق عمل مدخل التعليم ومدخل المرأة والطفل والصحة ومدخل الحكم الصالح وتدرج التعليم اثمر بأن تبلغ نسبة التعمين في قطاع التربية والتعليم الاولي معدلات عالية جدا وذلك من خلال سياسة تعليم عالي ترفد القطاع التعليمي بالهيئات التدريسية بشكل متواصل مع توفير قطاع صحي ناشط وفعال يضمن للطلاب والمدرسين العمل بنشاط وفعالية في ظروف جيدة ومناخات صحية ترفد العملية التربوية وكل ذلك ضمن اطار حكم مركزي فاعل تسطر فيه وحدة القرار لاتخاذ اسرع اتدابير ضمن ماتحتاجه التنمية مع تقليل الحلقات الادارية الكثيرة وتهشيم البيروقراطية ومكافحة عالية للفساد الاداري.

بالاضفة الى ذلك استمرار صدور التشريعات التي تفرض نسبا من العاملين العمانيين في كل قطاع وحظر  عمل غير العمانيين في بعض القطاعات الاخرى وتقديم الدعم للمنتج الوطني بالرغم من سياسة السوق المفتوح التي تتبناها عمان وذلك من خلال تفضيل المنتجات الوطنية بالنسبة لما تحتاجه دوائر ا لدولة وحتى في القطاعات التي لا توجد فيها شركات عمانية برأسمال وطني مثل قطاع الاستثمار النفطي الذي لآلية منح الامتيازات للشركات الاجنبية فقد بلغت نسب التعيين فيه مستويات عالية ـ لا توجد ارقام رسمية محددة ـ نتيجة للتدريب والتعليم المتواصل في عمان وبالتعاون مع المؤسسات والهيئات الدولية ذات الخبرة وتتضح نسب النجاح المتحققة من خلال عرض الارقام التالية لبعض القطاعات التي تخضع لعملية التعمين.

1ـ بلغت نسبة العاملين العمانيين في قطاع الصحة عموما 66% وفي قطاع الاطباء تحديدا فإن عدد الاطباء في السلطنة بلغ سنة 2007 (2981) طبيبا وطبيبة من بينهم (813) طبيبا وطبية عمانية بنسبة (27%) وانضم اليهم خريجو الدورة الاخيرة من كلية طبجامعة السلطان قابوس فاصبح العدد (904) وبلغت نسبة التعمين في قطاع التمريض (59%).

2ـ بالنسبة الى قطاع التربية والتعليم فقد بلغت نسبة التعمين مديات عالية في قطاع التعليم الاولي ومديات اخرى ممتازة في قطاع التعليم العالي والتدريب المهني.

3ـ بلغت نسبة التعمين في القطاع المصرفي (92,1%) وفي شركات الصرافة (51،6%) بينما بلغت في شركات التحويل الخاصة المرخصة من قبل البنك العماني المركزي نسبة (61،1%).

4ـ اما القطاع الزراعي فيشكل العمانيون النسبة العظمى فيه وهو يسد كذلك نسبة (93%) من حاجة البلاد الى التمور والفاكهة و (64%) من الخضراوات.

والثروة السمكية اغلب العاملين فيها هم عمانيون مرخصون للعمل وقد تم تدريبهم في معاهد خاصة للصيد ويسد هذا القطاع الحاجة المحلية اضافة الى تصدير الآف الاطنان سنويا وكذلك الحال بالنسبة للثروة الحيوانية والموارد المائية.

5ـ تم تعمين قطاع الخياطة النسائية في جميع ولايات السلطنة بنسب تجاوزت (95%) من خلال تدريب النساء في معاهد وكليات خاصة وخارجها وفي كلية القدس بالاردن على الاخص.

6ـ تم تعمين قطاع بيع المواد الغذائية على الخصوص بنسبة (90%) من ولايات السلطنة.

بالاضافة الى كل هذه الارقام ـ جميعها ضمن احصائيات عام (2007) فقد بلغت النجاحات التي حققها برنامج سند لدعم المشاريع التي يتقدم بها الشباب مستويات عالية جداً وقد وصل الامر الى القطاع الصناعي الذي انصب اهتمام الخطط الخمسية الاولى فيه على الصناعات الصغيرة ولكن ابتداءا من الخطة الخمسية السادسة (2001/2005) شهدت تحولا متزايد نحو الصناعات التحويلية والكبيرة وتم انشاء مناطق ومجمعات صناعية ضخمة في عدد من ولايات ومدن السلطنة.

رافق ذلك كله سياسات اسكان متزنة تأخذ بعين الاهتمام مصلحة المواطن وراحته حيث ان (82%) من سكان عمان يسكنون في مساكن يملكونها وهو من الامور التي تشجع على الخدمة المتفانية للوطن.

لقد وفرت كل هذه الامور كفاءات وطنية قادرة على سد الفراغ الذي قد يتركه رحيل الكفاءات الاجنبية وكل هذا ضمن مبدأ الاعتماد على لاذاتن الذي ينتهج التعاون المتكافئ اساساً وليس لقطيعة مع الآخر وهو من اهم ماتميزت به عمان على المستوى الدولي والاقليمي منذ بداية انطلاقتها وتصفيتها للمشاكل والاضطرابات التي تهدد امنها الداخلي قبل ذلك.

واليوم تقف عمان على مفترق طرق تحدد فيه قرارها بالبدء بعملية التنمية السياسية الحقيقية والتحول الديمقراطي ومنح صلاحيات اكبر واهم لمجلس الشورى بوصفه السلطة التشريعية ورفع (الفيتو السلطاني) على اختيار اعضاءه ويمكنها النجاح في ذلك دون ان تمس بشخص السلطان او بامتيازاته وهو امر سبقتها الكويت في تحقيقه والنجاح فيه من خلال اعطائها ـ الكويت ـ دور مهم وقيادي لمجلس الامة.

ومن جانب آخر يأخذ امر تطوير النظام الاساسي وخصوصا فيما يتعلق بأمرن في غاية الاهمية الاول هو وضع السلطة التشريعية في صدارة قوى الحكم والثاني هو آلية تداول الحكم ومسألة اختيار السلطان في حالة فراغ المنصب بصورة مفاجئة وهو الامر الذي وضع القانون الاساسي خطوطا عامة له دون ان يتطرق الى تحديد آليات وتفاصيل تحدد هذا الامر. وفي الواقع فإن الاصلاح السياسي يبقى من اهم الغايات التي تسعى اليها التنمية؛ ان لم يكن اهمها على الاطلاق.

[الصورة: السلطان قابوس بن سعيد البوسعيدي، سلطان عمان منذ 1970، خريج أكاديمية سانت هيرست العسكرية البريطانية]

تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (4)

القسم الرابع… علي المعموري

ثالثا: المرأة والطفل والخدمات الصحية.

تشكل هذه الثلاثية متلازمة ضرورية واكيدة في عملية التنمية فبدون المرأة التي هي نصف المجتمع لا يمكن ان تسير التنمية بصورة ايجابية وذلك لأن المرأة هي الحاضنة الاولى لبناة المستقبل كما ان هناك امورا ومهام لايمكن لغير  النساء ادائها ضمن مجتمعات اسلامية محافظة وضربت عمان مثلا يستحق التقدير في هذا المجال ولو من حيث الشكل العام لجهودها في تطوير قدرات المرأة وتعليمها تعليما يوازي مايناله الرجل وفي جميع التخصصات وكذلك على المستوى الاداري والسياسي حيث ان عمان من اوائل الدول العربية التي اعطت المرأة حق التصويت والترشيح للسلطات التشريعية وسبقت دولا خليجية تلعب الحياة البرلمانية فيها دورا كبيرا وفاعلا ـ مثل الكويت ـ حيث بدأت التجربة العمانية بالسماح للنساء بالمشاركة تمثيلا وتصويتا في انتخابات مجلس الشورى الاولى (1994) ولكن في ولايات العاصمة الست فقط. اما في انتخابات (1997) فقد سُمح بالمشاركة التامة لكل النساء وبلغت نسبة تمثيلهن حوالي (10%) على مستوى البلاد وإن ظلت مساهمتهن محدودة حيث اقتصرت على (27) امرأة من بين (736) اي بنسبة (3,66%).

الى جانب ذلك تشغل النساء اربعة مناصب وزارية (سنة 2007) هي وزارات التعليم العالي والسياحة والتنمية الاجتماعية ورئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية إضافة الى مكان المرأة التقليدي ضمن مجلس الشورى وعضويتها ضمن مجلس الدولة ومجلس ادارة غرفة تجارة وصناعة عمان ومجلس رجال الاعمال الى جانب مناصب رفيعة في الجهاز الاداري للدولة والادعاء العام ومجالس ادارة بعض مؤسسات القطاع الخاص.

من جانب آخر تشكل برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية جزءا هاما من منظومة رعاية المرأة فقد تم تخصيص معاشات شهرية ضمن قانون الضمان الاجتماعي تصرف للارامل والايتام والعاجزين عن العمل والمطلقات واسر السجناء وغيرهم ممن لايوجد لديهم معيل ملزم وقادر على الانفاق عليهم وقد تم تخصيص (16) قطعة ارض عام (2005) لأسر الضمان الاجتماعي إضافة الى منح اخرى مثل منحة العيدين ومنحة تأدية فريضة الحج والمساعدات المالية الطارئة والاعفاء من رسوم الخدمات الجامعية للابناء على نفقة الدولة وغيرها من الامور بالاضافة الى ذلك بدأت برامج تطوير مهارات النساء ضمن بعض القطاعات البسيطة والواسعة الانتشار في نفس الوقت على سبيل المثال برامج تعليم الخياطة التي ادت الى ان تسيطر النساء العمانيات سيطرة شبه تامة على هذا القطاع.

وما يتعلق بالطفولة، وفي نفس السياق، فقد خطت عمان خطوات كبيرة في هذا الموضوع فأولا نظرت بعين الاهتمام مشاكل المعاقين حيث تأسست دار رعاية الاطفال التي تخدم الاطفال في سن (3ــ14) سنة اضافة الى مراكز الوفاء الاجتماعي وهي مراكز تطوعية اهلية ترتكز على تأهيل المجتمع المحلي لرعاية المعوقين ويستفيد منها اكثر من (1870) طفلا وطفلة معاقة وحققت عمان ميداليات ذهبية وبرونزية عديدة في مباريات المعاقين الدولية في عدد من دول العالم.

وايضا فقد اعيد تشكيل وتحديد اختصاصات اللجنة الوطنية لرعاية الطفولة والتي انبثقت منها لجنة متابعة تنفيذ بنود اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عمان عليها ووصلت بيوت رعاية الطفل والحضانات حتى الى المناطق الريفية.

وهناك ايضا دار رعاية الطفولة التي تخدم الايتام وايضا نظام الاسر البديلة التي تحتضن الاطفال الايتام ضمن نطاقها وتلعب دورا هاما في رعاية الطفولة.

اما قطاع الخدمات الصحية فهو  من اهم القطاعات التي حققت تطورا واسعا وملموسا في كل ميادين الرعاية الصحية. واعتمدت عمان نظام توفير الرعاية الصحية الاولية كمدخل اساس للرعاية الصحية بكافة مستوياتها وبدرجة عالية من الجودة في مختلف مناطق السلطنة  حيث توفر (49) مستشفى ـ منها (13) مستشفى مرجعي ـ تشكل نسبة (90%) من اجمالي المستشفيات في السلطنة وفق احصائيات عام (2007) وتقدم المراكز والمجمعات الصحية والعيادات الخارجية بالمستشفيات الرعاية الصحية الاولية والفاعلة والجيدة وتنتشر في كل مناطق عمان.

والمستوى الثاني تقدمه المستشفيات المرجعية في عشر مناطق صحية وهي توفر رعاية اكثر مهارة وتخصصا وفي المستوى الثالث للرعاية الصحية توجد المستشفيات التخصصية وهي مستشفيات تتخصص بتقديم رعاية صحية ذات تقنية عالية في احد المجالات الصحية خاصة. وهي تنقسم الى ثلاث مستشفيات: مستشفى خولة يتخصص بجراحة الحالات الدقيقة المتعلقة بالعظام والمخ والاعصاب والتجميل والحروق وغيرها ومستشفى النهضة لجراحات الانف والاذن والحنجرة والعيون والاسنان والامراض الجلدية ومستشفى ابن سينا للحالات العصبية والنفسية.

وفي غضون ذلك كله تحرص عمان على توفير مناخات مناسبة للانشطة الرياضية والنشطة الثقافية والعلمية والمهرجانات وتطوير الهيئلت الكشفية مما ينصب جميعه في النهاية بعملية تطوير قابليات الانسان العماني ورفع قدرته على المساهمة الفاعلة في عملية التنمية.

يتبع

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]

تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (3)

القسم الثالث.. علي المعموري

مدخل الديمقراطية والحكم الصالح:

في الواقع ان تجربة عمان في مسيرة التنمية تجعلنا نتسائل عما إذا كانت الديمقراطية شرطا اساسا في عملية التنمية؟.

فنظام الحكم في عمان لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان يوصف بأنه ديمقراطي وفق المعايير الحديثة لتقييم الديمقراطية، فلا هو ملكي دستوري يملك فيه الملك ولا يحكم ولا هو بالذي يتصف بفصل السلطات فشخص السلطان هو الاسمى ومنه تنبع القرارات واليه تعود وهورمز وحدة البلاد وذاته مصونة وهو غير قابل للمسائلة او المساس ـ وهووما اشرنا اليه سابقا ـ وهو بأمر ملكي ـ أو نطق سامي ـ يسن التشريعات والقوانين ويلغي القوانين والتشريعات وهو الذي يضع المباديء الاساس التي تبنى على وفق معطياتها خطط التنمية وحتى النظام الاساسي للبلاد الذي منح السلطان هذه القداسة الدستورية لم يصدر الا سنة (1996) اي بعد (26) عام من الحكم المطلق بدون اي دستور او قانون يوضح طبيعة السلطة في عمان.

من جانب آخر فإن السلطة التشريعية التي تتمثل في الديمقراطيات الراسخة بالبرلمان والتي تكون اقوى السلطات لأن جميع مفاصل وسلطات الدولة الاخرى تكون مسؤلة امامها حتى هذه السلطة ويمثلها في عمان مجلس الشورى ليست فاعلة او تكاد؛ فمن حيث الاهمية هي تقع في المرتبة السادسة فيما يتربع السلطان على قمة الهرم ـ وهو  ترتيب ورد فيالنظام الاساسي للسلطنة ـ واعضائها يتم اختيارهم من قبل الشعب عبر ممثلين ثم يقوم السلطان بأختيار من سوف يدخل المجلس من الفائزين بالترشيح. ولكن اذا ما لاحظنا مستويات اللنجاح العمانية في المسيرة التنموية فسوف نعود الى التساؤل: هل ان الديمقراطية شرط اساس للتنمية ام لا؟ ام ان للخصوصية العمانية شأن آخر؟ شأن يندرح ضمن خصوصيات بلدان العام النامي والمجتمعات التقليدية بصورة عامة، تلك المجتمعات التي لا يمكن باي حال الانتقال بها مباشرة من حالة التخلف والركود والتقليدية الى ديمقراطية مفاجئة تدع للجميع وعلى السواء؛ المثقف المتعلم والجاهل والأمي يختارون شكل الحكم على هواهم تاركين لخلفياتهم العقائدية والمذهبية والعرقية ان تتحكم بهم وتسيرهم في عمليات التصويت واختيار الانظمة فيختار الطائفي ابن طائفته والتقليدي ابن عشيرته الى آخر هذه المصائب.

ولكن من جانب آخرف النسيج الاجتماعي العماني لا يشكل تنوعا حادا في التكوين وحتى على اختلاف الطوائف فيه فلا يوجد فروقات حادة ويكاد يكون مجمعا على شخص السلطان ولعل هذا ما وفر له ـ السلطان ـ الغطاء الكافي ليهيمن بشخصيته القوية على جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد وهو ما وفر له وحدة قرار مركزي سيطرت على التناقضات التي قد توجد في اي جهاز اداري ناشيء ضمن بلدان العالم النامي ـ مع ملاحظة ان الانتماء الى العائلة المالكة (البو سعيد) لا يعد شرطا اساسا للوصول الى المناصب العليا في السلطنة وهو ما يختلف عن الحال في بقية دول الخليج ـ هذا بالاضافة الى التجديد المستمر في الوجوه الي تمسك الادارات العليا كالوزارات وصعود قيادات شابة محل القديمة من ضمن الادارة نفسها بشكل مستمر لضمان تدفق الحيوية في عروق الدولة كل هذا جعل نسب الفساد الاداري تصل الى ادنى مستوياتها في عمان فقد صنف تقرير منظمة الشفافية للعام (2005) عمان كأول دولة عربية من حيث قلة الفساد الأداري، واحتلت المرتبة (29) على المستوى الدولي من بين (159) دولة اخرى شملها التقرير ولم تسبقها بالترتيب اي دولة عربية.

بالإضافة الى ذلك فقد منحت عمان الجائزة الكبرى للحرية الاقتصادية للعالم العربي التي يمنحها معهد فريزر الكندي ومؤسسة البحوث الدولية للعام(2005). وكذلك فإن تقرير البنك الدولي حول فعالية القانون ومؤشرات الحكم الجيد للعام (2004). وضع عمان فيمقدمة البلاد العربية وفي المرتبة (17) على المستوى الدولي من بين (127) دولة اخرى والذي صدر في (2005).

وإذا اردنا ان نقيم عمان من حيث مدى تمكنها من تطبيق مثلث الحكم الرشيد الذي يضم السلطة الواعية والقطاع الخاص المتفرد والمجتمع المدني الناشط فسنجد انها ومن حيث وجود السلطة الواعية فهي تمتلك هذه السلطة اما القطاع الخاص فقد بدأ ينشط ضمن توجه الحكومة نحو تنشيط القطاع الخاص إذ بدأت بتخصيص ـ لا يصح لغويا قول خصخصة ـ بعض  المؤسسات الخدمية التي تديرها الدولة مثل قطاعي الماء والكهرباء وتم التخطيط لأن يتولى القطاع الخاص نسبة (46%) من اجمالي استثمارت الخطة الخمسية السابعة (2006ـ2010).

وبالنسبة للمجتمع المدني المدني الناشط فلا يمكن ان تصنف عمان ضمن الدول ذات المجتمع المدني الناشط إذ لا يوجد فيها مثل هذه التنضيمات الفاعلة حقا وبالرغم من سماح قانون العمل ضمن التعديل بمرسوم سلطاني الذي صدر برقم 74/ 2006 بالرغم من سماحه بتشكيل نقابات ضمن ما يمكن ان يعتبر وجها من النشاطات اللاحكومية ضمن بنية المجتمع المدني فلا يمكن ان نجد اليوم نقابات قوية في عمان والجمعيات المدنية المسجلة رسميا لدى الحكومة والتي بلغ عددها سنة 2007 حوالي 66 جمعية ـ تشكل الجمعيات النسوية اغلبها (45 جمعية) وهو امر يستحق مزيدا من النظر ـ لا يوجد لها اي دور فاعل كمجتمع مدني ناشط يؤثر على الحكومة كما يتأثر بها.

وفي الواقع فإذا بدأنا الحديث ضمن مدخل الديمقراطية والحكم الصالح بتساؤل حول علاقة الديمقراطية بالتنمية وبينا انعدام اي ديمقراطية للنظام العماني الذي نجح في مسيرتها التنموية فإننا نعود هنا الى الاجابة عن السؤال بإقرار وجود الصلة ولكن نعيد القول بأن لعمان خصوصيتها بكونها دولة نامية من جهة وبكونها عمان من جهة اخرى؛ عمان التي تتمتع بخصوصيات تاريخية واجتماعية حتمت ان يكون نظامها على ما هو عليه.

ان الديمقراطية شرط اساس ـ ولا نقاش في ذلك ـ لتحقيق التنمية ولكن هذه الديمقراطية يجب ان لا تضخ بصورة مفاجئة في بلدان العالم النامي المتخلفة ويجب ان لا تستورد كآليات وقوالب قد لا تنتج الشكل الملائم محلياً بل يجب تطوير المناخات الديمقراطية ضمن خطوطها الرئيسة من حيث فصل السلطات واختيارها بواسطة الانتخاب مع مراعاة الخصوصيات الاجتماعية لكل بلد.

يتبع

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]

تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (2)

الفصل الثاني

تمهيد

في الواقع فإن مداخل التنمية تتعدد باختلاف اراء الكتاب الذين عملوا في دراسات هذا الحقل ـ كما سبق ذكره ـ ولكن على العموم هناك مداخل اساس يتفق عليها الجميع وهي تعد من اهم ضرورات عملية التنمية .

ولكي نقدم صورة ملموسة عن مدى نجاح عمان في عمليتها التنموية لابد ان نأخذ بعين الاهتمام هذه المداخل ونحن هنا سوف نتعرض الى بعض هذه المداخل الاساس اذ سوف نتناول التجربة العمانية ضمن ثلاث مداخل اساس هي :

1ـ مدخل التربية والتعليم والتعليم العالي .

2ـ مدخل الديمقراطية والحكم الصالح .

3ـ مدخل المرأة والطفل والخدمات الصحية .

وفي الواقع فإن تقديمنا لتجربة عمان التنموية وسياسات التعمين ضمن اطار هذه المداخل لايعني انها المداخل الوحيدة المناسبة لهذه التجربة. الا ان خصوصية التجربة ضمن  توجه البحث قد تستلزم هكذا نوع من التقسيم بالنسبة الى المداخل المؤدية الى دراستها.

وفي السطور القادمة سوف نبدأ باستعراض جهود عُمان ضمن هذه المداخل الثلاث واهم ما استطاعت  تحقيقه ضمن اطار التحديات التي تفرضها وسوف نحاول تقديم صورة عن مدى نجاح في كل منها ثم سيتم تقديم تقييم عام لتحديد تأثيرمدى النجاح في كل مدخل على الموضوعة الأساس وهي سياسات التعمين التي تعني قبل كل شيء تسليم الإدارات والأعمال في مختلف القطاعات والمستويات والإختصاصات الى الكفاءات الوطنية العمانية.

وهنا لابد أن نذكر أن مسيرة التنمية التي إبتدأت منذ سنة 1970 وهي سنة تولي قابوس بن سعيد الحكم في عمان قد ارتكزت منذ البدية على خطط تنموية مدروسة ضمن خطة استراتيجية طويلة المدى (1976ـ 1996) تخللتها خطط خمسية مدروسة ابتدات بالخطة الخمسية ألأولى (1976ـ 1980) ثم الستراتيجية طويلة المدى (1996ـ 2020) لتحديد المسارات والأدوات ولأهداف المراد تحقيقها اقتصاديا واجتماعيا على أمتداد المرحلة الثانية للتنمية الوطنية وقد أعتمدت ايضا اسلوب الخطط الخمسية لتحقيق اهدافها ضمن تدرج كان يراعي مدى توفر الطاقات الوطنية لتحقيق النجازات المطلوبة وقد (( وقد حققت هذه الخطة الطويلة الأمد اطارا كليا مستقرا للإقتصاد العمني ليتم تحقيقه والوصول اليه وبما يوفر معدلات نمو مستهدفة للإقتصاد العماني وتحسنامحسوبا في نصيب الفرد من الدخل القومي وذلك عبر تنويع مصادر الدخل القومي للسلطنة بزيادة مساهمات قطاعات الغاز الطبيعي والصناعة والسياحة والحد من الإعتماد الكلي على النفط مع تنمية القطاع الخاص وتنشيط سياسات التخصيص وتحقيق تنمية متطورة للموارد البشرية وجذب المزيد من الإستثمارات في اطار تنمية مستدامة تحقق مزيدا من الإندماج في الإقتصاد العالمي )) .

أولا: مدخل التربية والتعليم والتعليم العالي .

لقد أخذت عمان بالمبدأ القائل بأن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها. وهو ما صرح به السلطان قابوس مرارا وتكرارا. وفي هذا الإطار عملت على ايجاد سياسة تعليمية وتربوية تضمن لها تطوير كفاءاتها الوطنية. وقد تميزت مسير التعليم العماني بالصبر حيث إنها بدأتمن الصفر لأجل اعداد كفاءات تعليمية عمانية. وفي هذا السياق قامت بتدرب الدورات المتعاقبة وتأهيله للتدريس من خلال التعاون المثمر والتنسيق بين وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والوزارات والهيئات الأخرى المعنية ؛ من اجل ان تتكامل الجهود فيما بينه اجميعا لإداد الخريجين على نحو يمكنهم من شق طريقهم في مراحل التعليم الأخرى أو الى سوق العمل وفقاَ لمتطلبات التنمية في الوقت الحاضر والمستقبل. وقد حرصت عمان من جانب آخر على تعليم من فاتهم قطار التعليم واخراجهم من ظلمات الأمية .

وفي الواقع فإن جهود تطوير التعليم وفق الناهج الحديثة المتجددة قد اصبحت سمة اساسية للتعليم في عمان. حيث انها اخذت بعين الاهتمام مسألة رفع كفاءة المعلمين من حيث تنويع اساليب تدريب الهيئة التعليمية داخليا وخارجيا بما في ذلك المشاغل التربوية وحلقات العمل والنقاش والابتعاث الى الخارج اضافة الى مشاريع اخرى اليكترونية متطورة مثل مشروع البوابة التعليمية الاليكترونية التي تظم كل عناصر المنظومة التعليمية وربطها معا بما في ذلك ديوان عام وزارة التربية والتعيم والمشروع التكاملي للانماء المهني والتدريب الاليكتروني والحقيبة المتلفزة وملف النمو المهني وهي تسهم في تطوير اداء المعلمين وتحقيق جودة التعليم وتوفير عمليات تدريب وتقييم متواصل لتطوير قدرات العاملين بما يفيد ويحقق اهداف العملية التعليمية بالاضافة الى ذلك يتم استخدام طرق تدريس حديثة واستخدام الحاسب الآلي والشبكة اللاسلكية الخاصة لربط المدارس على مستوى السلطنة لتزويدها بالمواد التعليمية اضافة الى تأسيس وحدة لإنتاج الوسائل المتعددة بوزارة التربية والتعليم.

وقد تم الغاء نظام التشعيب المتخلف الذي ورثته الدول العربية من عهد حكم اللورد كرومر لمر وحماقاته الكثيرة والذي  كان معمولا به في الصفين الحادي عشر والثاني عشر (الخامس والسادس الاعدادي) علمي/ادبي لاتحة الفرصة امام الطلاب لدراسة ما يتناسب مع ميولهم وتطلعاتهم.

وفي اطار عام يهدف الى العناية بالطلاب وتوفير اساليب تعليمية متطورة لتنمية مهاراتهم وتوجيه هذه المهارات بشكل صحيح وزيادة القدرات على التعلم الذاتي لمستحدث في عمان وكذلك نظام التقويم المستمر الذي الايعتمد على اسلوب الامتحانات فقط ولكنه يشمل كذلك المشاريع الطلابية والبحوث والاختبارات القصير والفصلية والملاحظات الصفية وغيرها.

الى جانب ذلك فقد تم تأسيس مدارس للتربية الخاصة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل اكبر ولمعلجة صعوبات التعليم وكذلك مشروع الوفاء بمعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين.

اما بالنسبة الى التعليم العالي فقد تأسست جامعة السلطان قابوس سنة (1986) وقد اريد لها ان (( تسيربخطى حثيثة ليس فقط لتطويروتحديث برامجها العلمية واستحداث برامج للتعليم والتدريب تخدم مختلف قطاعات المجتمع العماني وايضا لتصبح منارة فكر وصرحا متميزا للتعليم العالي قادر على اعداد الكوادر الوطنية المؤهلة وتشجيع البحث العلمي والاسهام الفعال في دراسة وانجاز خطط لتطوير المجتمع العماني وتعزيز جهوده التنموية  في  مختلف المجالات.)) وتضم جامعة قابوس سبع كليات تمنح درجات جامعية مختلفة بالاضافة الى مجموعة من المراكز البحثية وايضا توجد في عمان (14) كاية جامعية و(17) معهدا متخصصا بالاضافة الى (20) مؤسسة تعليمية تعليمية خاصة منها ثلاث جامعات اهلية وفي اطار الخطة الخمسية السابعة (2006ـ 2010) تم وضع استراتيجية للتعليم تقوم على خمس مرتكزات اساسية هي ادارة التعليم والتحاق الطلبة وتقدمهم عبر المراحل التعليمية وبناء الجودة في التعليم والبحث العلمي والتطوير وتمويل التعليم.

من جانب آخر يأخذ موضوع التدريب المهني حيزا مهما ضمن خططك التنمية فمن جانب تقوم معاهد التدريب التقني التي تشرف عليها وزارة القوى العاملة ـ وهو الامر الذي سوف نعود اليه لاحقا ـ تقوم بعملية تطوير مستمرة للتدريب التقني من خلال التعاون مع مجموعة من المنظمات العالمية مثل منظمة العمل الدولية والوكالة اليابانية للتعون الدولي والمؤسسة الهندسية البريطانية والمؤسسة الاسترالية للتدريب والمؤسسة الالمانية للتعاون الفني.

ان سياسة التطوير المستمر للتعليم مكنت عمان من امتلاك خبرات كافية تساعدها في مسعاها لتعمين الوظائف سواء في القطاع الحكومي ام في القطاع الخاص بالنسبة لحداثة التجربة التعليمية فقد تحققت طفرات هائل في التعليم فوجود هذا العدد من الكليات والمعاهد بالقياس الى المدة القصيرة التي بدأت بها التجربة يعد شيئل مذهلا وهو ما سنرى اثره على سياسة التعمين في التقييم العام.

ولكن هناك ملاحظات لابد من تسجيلها على مسيرة التعليم العماني؛ وبالاخص فيما يتعلق بالتعليم العالي.

فمسألة تعدد الجهات المشرفة على قطاعات التعليم تثير تساؤلات حول جدوى هذا التقسيم. فنحن نجد ان وزارة التعليم العالي تشرف على خمس من الكليات التخصصية وعلى كلية التربية بالرستاق وعلى شؤون البعثات ومؤسسات التعليم العالي الخاصة اضافة الى جامعة قابوس.

بينما تشرف وزارة القوى العاملة على الكلية التقنية العليا وكليات التقنية ومعاهد التدريب المهني وتشرف وزارة الصحة على المعاهد الصحية والبنك المركزي العماني يشرف على كلية الدراسات المصرفية والمالية ويتبع معهد العلوم الشرعية وزارة الاوقاف والشؤون الدينية وتتبع الاكاديمية العمانية للسياحة والضيافة وزارة السياحة.

ان هذا التشتت ـ ولانقول الفوضى ـ في تقسيم جهات الاشراف على التعليم العالي قد تؤدي فيما بعد الى مشاكل جمة واذا لم تظهر في الوقت الحاظر فما ذلك الا بسبب الاندفاعة القوية التي تسير بها عملية التنمية ككل من جهة وسيطرة جة مركزية على مفاصل الدولة ـ متمثلة بالسلطان ـ من جهة اخرى.

ففي حالة غياب جهة عليا مركزية موحدة تسيطر على رسم سياسات التعليم العالي وترسم الخطوط العامة للمسيرة التعليمية لايمكن ضمان المسيرة تعليمية متزنة بالرغم من ان التقسيم الذي اخذت به عمان يقوم على اساس ان مخرجات كل قسم يجب ان تكون متماشية من حيث تعليمها وتدريبها  مع الاحتياجات الفعلية للقطاعات المرتبطة بها وهو ما يسهل ـبحسب الادارة العمانية ـ استيعابها في دولاب العمل بعد تخرجها.

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]

   تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (1)

هذا التقرير كتب قبل 6 سنوات، وبقدر التقصير المعرفي الذي فيه، والأخطاء التي شابته بوصفه جهدا بسيطا لطالب في المرحلة الرابعة، فإني ـ بنفس الوقت ـ أحسب أيضا انه يلقي بعض من الضوء على تلك البقعة العجيبة لدرجة غريبة تماما عن مستنقع الشرق الأوسط (أو مستشفى الشرق الأوسط للأمراض العقلية) كما تقول صديقتي حبيبة محسن، سأنشر التقرير بحلقات دفعا للملل

علي عبد الهادي المعموري

 

اولا :النظام السياسي العماني

في الواقع ان تطبيق توصيف النظام السياسي وفق تعريفاته الاكاديمية الحديثة التي وضعها علماء السياسة واداءه لوظائفه الاربع على دول العالم النامي يعد امرا صعبا ومشكلا .

ففي نظام سياسي كالنظام العماني الذي يرتكزعلى اساس ملكية مطلقة محاطة بمظاهر دستورية ليست بالضرورة واقعية من حيث التطبيق. اذ ان عمليات النظام السياسي تكاد تكون متداخلة  مع بعضها البعض بمعنى غياب  الدور المتخصص وليس التداخل التفاعلي. وعمليات التغذية والتغذية العكسية تتم بشكل بدائي ولا تسير وفق اليات دستورية اوادارية محددة فكل شيء في الدولة ينبع من السلطان ويعود الى السلطان وفق تأطير شخصه باطار يرتكزالى مبادئ ابتكرتها وارستها الدول الاسلامية عبر تاريخها السياسي تتمحور حول (ولي الامر) وكونه يمثل السلطات الثلاث ـ بالتقسيم الحديث للسلطة ـ ووجوب طاعته والخضوع لارادته وكون ذاته مصونة. وغير قابل للمسائلة وهو امر ُشرع دستوريا في النظام الاساسي للحكم الذي صدر في نوفمبر (1996) وهو يهيمن على كل نوحي الحياة السياسية في البلاد منذ توليه الحكم عام  (1970 )ولهذا فان اي دراسة اكاديمية لاساليب النظام السياسي العماني لا يمكن ان تكون واقعية او دقيقة الا من خلال دراستها كأسلوب قائم بذاته من خلال دراسة سلوك السلطان كمؤسسة تنبع منها التشريعات وعلى عاتقها يقع تنفيذها .

وعلى العموم فالنظام السياسي العماني يتكون من البنى التالية مصنفة حسب الاهمية وفقا للنظام الاساسي للحكم في عمان :

1 ـ السلطان , متمثلا في شخص السلطان قابوس البو سعيدي .

2 ـ ديوان البلاط السلطاني .

3 ـ شؤون مكتب القصر .

4 ـ السلطة التنفيذية ؛ ويندرج تحتها :

أ  ـ رئيس الحكومة , السلطان قابوس .

ب ـ مجلس الوزراء .

ج ـ سكرتارية مجلس الوزراء .

5 ـ المجالس المتخصصة .

6 ـ مجلس الشورى. وهوالاسم الذي تفضل الدول التي تحكم على اساس ديني اسلامي ان تطلقه على البرلمان .

7 ـ المحافظات والولايات .

وعليه فإن الدراسة سوف لن تستهدف دراسة هيكلية النظام السياسي العماني او مدى تطوره واستمرار عملية التنمية السياسية فيه وفق الاساليب الحديثة وستنصب على اهمية التجربة التنموية على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي مع التعرض للتنمية في المجال الاداري التي شهدتها السلطنة .

ثانيا :التنمية

ان دراسة التنمية تتطلب قبل كل شيء تحديد الجوانب التي بني المصطلح على اساسها , او بشكل ادق ان نحدد ما هو التخلف لنعرف التنمية. ولابد ان نذكر قبل ذلك ان دراسة التنمية حتى الستينات كانت تنصب على النمو الاجتماعي والاقتصادي وتأثيراته السياسية (وعبر ذلك تعالج الاسس الاجتماعية والاقتصادية لما كان يسمى  بالعالم الثالث) الى ان ظهر مصطلح التنمية السياسية بعد الستينات حيث اصبح البحث ينصب على هذا المعطى الاقتصادي  ـ الاجتماعي عبر دراسة عملية اكثر تعقيدا قد تكون هي الاساس وراء التطور الاجتماعي الاقتصادي وهي التنمية السياسية .

واذا عدنا الى محاولة تحديد مفهوم التخلف كي نصل الى معنى التنمية استنادا الى المقولة التي تبين ان الدول المتقدمة تؤشر الطريق للدول المتخلفة , فسنجد ان هناك اختلافا شديدا في تقديم مستوى معين من التقدم يقاس عليه التخلف .فالدول الغربية تقيس مستوى التقدم تبعا للديمقراطية والاستقرارحيث ان الديمقراطية وبصورة الديمقراطية الغربية التي تقوم على نظام تعدد الاحزاب السياسية والنظم الانتخابية والتمثيلية والاستقرارالسياسي الذي يؤدي الى انتشار التربية والتعليم بين السكان وارتفاع معدل الدخل الفردي او مستوى المعيشة. ولكن هذا الرأي يصطدم بعدد من التطبيقات المتناقضة ـ كما يرى الدكتور صادق الاسود ـ فمثلا فرنسا كنت تفتقر الى الاستقرار  السياسي في عهد الجمهورية الرابعة وتعد في نفس الوقت دولة متقدمة وغيرها من الامثلة الكثيرة .

من جانب آخر تنطلق الماركسية في تعريف التقدم والتخلف من ايديولوجية شاملة تستند الى عملية حركة المجتمع وفق مراحل على اساس الاقصاد اي من مرحلة البداوة والرعي الى الزراعة ثم الاقطاع فالراسمالية من بعدها الاشتراكية فالمشاعية. وكلم تقدمت الدولة في تسلسل حركتها التاريخية وفق هذه المراحل واقتربت من تحقيق المشاعية يقاس مدى تقدمها.

ولكن الدكتور صادق الاسود يرى ان المجتمعات البشرية لم تتكون في زمن واحد ولم تعش فتراتها التاريخية بخط متواز لذلك فإن مسيرة تطورها ليست متماثلة في جميع الاحوال فطفرت بعضها مراحل تاريخية معينة لاسباب تتعلق بمقوماتها الموضوعية وبمميزاتهاالذاتية وايضا ففي العصرالحديث تحاول بلدان العلم المتخلف تجاوز مرحلة الرأسمالية الى الاشراكية اي الانتقال من مرحلة الزراعة الى الاشتراكية بصورة مباشرة .

وفي الواقع فإن افضل رأي يمكن ان نأخذ به في هذا السياق هو رأي الدكتور صادق الاسود الذي طرحه في كتابه المهم علم الاجتماع السياسي حيث رأى ان جميع هذه الاساليب ـ هو قد اضاف في كتابه الى النظريتين السابقتين مدخلان آخران هما معيار العوامل المتعددة ومعيار المقارنة التاريخية وللمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتابه ـ هو يرى ان جميع هذه الاساليب غير مرضية (( لأنها قائمة على معايير مبنية على قيم ومفاهيم غريبة على واقع هذه البلدان ـ النامية والمتخلفة ـ وعلى مسيرتها التاريخية نحو النمو والتطور .

ان دراسة الدول النامية يجب ان تنطلق من من وجهة نظرالدول النامية ذاتها وعبر المشاكل التي تواجهها مجتمعة او كلا على انفراد اذ يجب ان يؤخذ التخلف باعتباره واقع عاما وينطوي على عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا وهذه النظرة العامة الشاملة هي التي يمكن ان تؤدي الى استنتاجات تذكر لانها تكون الحد الادنى من الاتفاق بين الباحثين من نختلف الاتجاهات والا فإن احدا لايمكن ان ينازع مثلا في ان الدولة التي لاتضمن سلامة مواطنيها وامنهم او تلك التي لاتوفر لهم ضروريات الحياة بحيث لاتقيهم من الجوع وتوفر لهم الملبس والمسكن تعتبر دولة متقدمة ))

عمان والتنمية

بالاستناد الى كل ماتقدم فإن عُمان تمتلك خصوصية في قياس مدى تقدمها فبالنسبة لمعيار الديمقراطية فإن عمان كما سبق ان ذكرنا لا تبنى النظام الديمقراطي وتدار من قبل نظام ملكي مطلق يملك السلطان فيه كل السلطات.

ولكنها من جانب آخر تتمتع باستقرار سياسي ضمن لها مسيرة تنموية ناجحة وسوف نرى فيما بعد ان خصوصية عُمان فيما يتعلق بحكمها المطلق لم تعرقل مسيرة التنمية فيها هذا ان لم تكن عاملا اساس في دفعها الى الامام محققة مستويات تعليم عالية ومستويات معيشية مرفهة لمعظم السكان.

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]