مشهد بغدادي من الألم العراقي

ركبت من الباب الشرقي الى الكرادة، صعدت سيارات الكرادة داخل (الكوستر)، كنت اجلس في المقعد الأخير، وفي المقعد الذي جنب الباب مباشرة كان يجلس شاب بهي الطلعة، دفع الشاب (الكروة) ولم يكن لدى السائق فكة ليعيد له الباقي، بعد قليل صعدت طفلة صغيرة قرب تمثال السعدون، جلست خلف الشاب وناولته الأجرة، بمقدار يسد الباقي له عند السائق، عندها نادى الشاب ذي الهندام الحسن ان الباقي قد وصله.
كانت الطفلة بحدود السادسة، نحيلة جدا، ترتدي قطعتي ملابس رياضيتين بائستين اختلط لونهن الاصفر بصفرة وجهها، وتلف شعرها بقطعة قماش شفافة، تحمل كيسا من البلاستك لم اتبين محتواه، وبيدها علبة عصير رخيصة، شكلها بدا كأطفال الشوارع الذين يقفون في التقاطعات يستجدون او يبيعون سلعا تافهة، كان البؤس يلفها تماما.
حين وصلت السيارة الى ساحة الفردوس، وقرب فندق فلسطين شاهدت طفلة تطابق الفتاة تماما، تقف في الساحة وبيدها علبة من العلكة،تبيع منها للمارة، وما ان شاهدت الفتاة في السيارة حتى ابتسمت لها ورفعت يدها بالتحية، هما رفيقتان إذن، وظني كان في محله.
في ذات اللحظة انتبهتُ ان الشاب الجالس قرب باب السيارة قد لاحظ ما حدثت بين الفتاتين، وبطريقة آلية دس يده في جيبه وأخرج الخمسمئة دينار التي اعطتها الفتاة له، ومد يده للخلف دون أن يدير وجهه حتى، بطريقة خفيفة لا يريد معها ان يشاهده احد، او تشاهده الفتاة، مد يده معيدا للطفلة نقودها، اخذت البنت النقود دون تردد، ثم نزلت مباشرة، لا أعرف إذا كانت قد خافت من هذا الذي ناولها النقود ففرت سريعا، او انها ظنت انه يرد الباقي لمن في الخلف وليس لها وقررت ان تسرقهن، او انها ببساطة قررت أن تلتحق بصديقتها الواقفة في التقاطع، تبيع احلامها في المدينة العجوز.

الباب الشرقي والكرادة، من مناطق بغداد القديمة يقع كلاهما في جانب الرصافة، وفي الباب الشرقي يقع نصب الحرية الذي شيده جواد سليم واطلق اسم ساحة التحرير نسبة له