أرشيفات الوسوم: زها حديد

العاملي والجادرجي

الشيخ بهاء الدين العاملي، محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني (953 – 1030 هـ) المعروف باسم الشيخ البهائي، فيلسوف وفقيه وعالم رياضيات و.. معماري، له العديد من البنايات الاستثنائية في ايران، والنجف، وظف فيها معرفته بالرياضيات والفلك فجاء ببنايات ذات طبيعة غريبة، وليس هذا محل النقاش بشأن عماراته، إنما اذكره هنا مستعينا بما قاله ذات يوم عن الايمان، اذكرها بمعرض مناسبة وفاة زميله في مهنة العمارة والفلسفة، رفعت ـ أو رفعة ـ الجادرجي كما كان يطيب له ان يكتب اسمه.

يقول العاملي الفقيه:

(إن المكلف إذا بلغ جهده في تحصيل الدليل فليس عليه شيء إذا كان مخطئاً في اعتقاده، ولا يخلد في النار وإن كان بخلاف الحق)

والدليل المعني هنا هو: الإيمان بالخالق، سبحانه.

هذه الكلمة البليغة في معنى الايمان اوجهها لكل من هاجم الجادرجي خلال الايام الماضية بسبب رحلته الفلسفية في الحياة، التي انفق عمره وأجهد نفسه غاية الجهد في استحصالها حتى صارت رؤيته تجاه الحياة، معرب معها عن احترامه لكل الاديان ومن يؤمن بها، دون شتيمة، دون تسخيف.

خلال الأيام الماضية شتم الرجل، وهوجم من طلب له رحمة الله الكريم ـ الرحمن الرحيم، الذي كتب على نفسه الرحمة، وسبقت رحمته غضبه ـ بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك فسخفوا منجزه المعماري بسبب عقيدته، بل ان احدهم تساخف وناقض نفسه حتى جاء برأي مهندسة عبقرية نعم، لكنها منسخلة عن بيئتها الام، ابنة الحداثة التي لا اطيق بناياتها: زهاء حديد، التي عيرت الجادرجي بانه يستلهم الفلكلور الاسلامي في عمارته، ممتدحة ايام انغماره في الحداثة قبل اكتشاف ذاته المحلية وذوبانه في العمارة الاسلامية بنكهة حداثية جعلته متميزا، قائم بمدرسته، وليس حداثي مغرق في الوهم ينتج عمارة وحشية مثل زهاء حديد.

الغريب ان من شتمه لكونه غير مسلم، جلب رأي من هاجمته بسبب تمسكه بالعمارة والفلكلور الاسلامي!!

تأمل يا رعاك الله!

انجز الجادرجي عمارة محتفية بالهوية الاسلامية المحلية، شغفه التراث الاسلامي، وصارت إعادة إنتاجه بشكل حديث متصالح مع الهوية المحلية شاغله وهاجسه الذي تجده في كل منجزه العظيم.

عمارة متميزة، مبهرة، محتفية بالتفاصيل المحلية، تجد فيها انسجاما مع المحيط الإسلامي دون مشقة، ولم افهم كيف استدل بعض الفنانين على أن منجزه خال من الروحانية أو شيء من هذا القبيل، عجيب والله.

دعوا الخلق للخالق، ورحمته وسعت كل شيء ـ كما وصف نفسه سبحانه ـ أما الجادرجي فقد كان معماريا عظيما، ومتفلسف في الحياة والعمارة، ترك تراثا مبهرا نفخر به كعراقيين.

ثم عيني، رفعت صهرنا ـ نحن النجفيين ـ ولن يرضيني ان يشتم صهرنا وهو غير مستحق للشتم!

#بهاء_الدين_العاملي

#رفعت_الجادرجي

 

 

زهاء حديد…ومعضلة الانتماء العراقي

ما هو الانتماء؟

وما هي الهوية؟

ولم نضيق على الآخرين وما يرغبون في قوله؟

هناك الكثيرون ممن تضايقوا من كثرة ما نعى العراقيون الراحلة (زهاء حديد) على الفيسبوك، قال بعضهم انها لم تعد نفسها عراقية يوماً، وأنها لم تتكلم العربية في أي لقاء ظهرت فيه على الاطلاق، وكنت مثلهم في القول حتى شاهدت الرابط المرفق بهذه السطور، فتغيرت وجهة نظري لا في زها وحسب، بل أعدت النظر في أصل موقفي من انتماءات العراقيين المبدعين الذين لم ينسوا أصلهم ولم يتنكروا لجلدتهم.

وبعضهم لام الراحلة لأنها لم تنفق على العراق، وهي تقول أنها ليست ثرية، وبغض النظر عن ثرائها المزعوم فهو إذا كان حقيقيا ليس سوى كدها وتعبها، وليست ملزمة تجاهكم إلا معنويا، أكيد كان ليذكر لها تبرعها كمنقبة كما ذكر لمن بذل للعراق، ولكن إعراضها لا ينتقص من قدرها إطلاقا.

طيب، قلت مرة هنا أنني لا اتفاعل مع أعمال زهاء حديد المعمارية، لأني ابن البيئة العراقية والعمارة العباسية، ولا أتفاعل مع الحداثة في الأدب والفن، أحب أعمال محمد مكية ورفعت الجادرجي، ولا أرتاح للبنايات ذات الكلف العالية التي كانت زها حديد تأتي بها من الأساطير، ولكني سأكون أقبح الناس إذا غمطت ابنة محمد حديد حقها، وقللت من شأن منجزها المعماري، لقد غيرت تلك الراحلة وجه العمارة، وجملت وجه الدنيا بما انجزته، كانت ملكا للانسانية قبل ان تكون ملكا لوطن أو لقومية أو لعرق، فلماذا تتضايقون ممن نعاها؟

يبحث العراقيون عن أحد، أي احد ليتفقوا عليه، ينقبّون عمن يرمم ذاتهم المهشمة، ويلملم كرامتهم الجريحة، فتأتون بمعاول (الاختلاف لأجل الاختلاف) وتنهالون عليهم ضرباً

لماذا؟ ما هو الهدف؟

على الأقل أفضل من أن ينشغلوا بهرجات الفيسبوك والسباب الطائفي.

طيب، هل تظنون أن زها حديد كانت لتنجح في العراق، إن نجاحها ارتكز بدرجة كبيرة على وجود البيئة الحاضنة للإبداع، ولا أحسب انها كانت لتبلغ ما بلغت لو بقيت رهنا لآليات مجتمعنا الراكدة، لقد بلغت ما بلغت لأنها انطلقت في مكان آخر وليس في هذه البيئة الملغومة.

من نحن لنحاسب الناس على انتماءاتهم، ولم نضيّق علاقتنا بالآخرين على أساس الانتماء الضيق، كل مبدع إنساني هو موضع محبة وتقدير عندي، مهما اختلفت معه، مهما عجزت عن فهمه، وخسارة كل مبدع هي خسارة شخصية لي، فكيف إذا كانت المبدع هذه المرة امرأة عراقية تقول بكل ثقة، بكل كبرياء وأنفة:

(أنا عراقية عربية، لست بريطانية).

مهما رطنت زهاء بالانجليزية، إنها عراقية كما تريد وكما ترغب وكما تشاء، ولا أحد يمتلك القدرة على أن يسلبها عراقيتها.

لقاء مع زها حديد…انا عربية عراقية

[الصورة: مركز ثقافي من أعمال زها حديد، ألا تذكركم بمضيف القصب في الأهوار؟]