خفارة

مررت عليه حوالي الساعة التاسعة، ولابد أن “خفارته” بدأت قبل هذا الوقت، أسند ظهره الى باب السائق من سيارته البيضاء الفخمة طراز كراون تيوتا من ذلك الموديل الذي يطلق عليه العراقيون اسم (راس الثور) ولا أعرف لماذا رأس الثور ولا أعرف سنة صناعتها، ولكنها سيارة فخمة كما ترون مثيلتها المحروسة في الصورة أدناه.
وكان قد صف السيارة على الشارع العام الفاصل بين المدينة القديمة والعمارة الجديدة، أمام مقبرة لآل الصائغ هناك، تسريحة شعره مثل أبطال السينما الهندية القدامى، غرة (ﮔـذلة) عالية متكاثفة على بعضها فاحمة السواد، وذيل من الشعر لا يقل عنها تكاثفا، ولكي تكتمل صورة البطل الهندي فإن شارباً مقوساً التف من أعلى الفم إلى أسفل جانبيه بدقة متناهية، دقة الشارب، وشدة حمرة وجه الرجل الذي قارب الأربعين يبينان لك أنه قضى وقتا طويلا جدا تحت يدي الحلاق.
ارتدى ملابس سوداء فاحمة، قميص بأزرار فضية لامعة أرخاه خارج بنطاله الأسود، ولم انتبه إذا كان يرتدي حذاءا أم نعلا ـ مكرم السامع ـ
ارتسمت على وجهه ابتسامة غريبة، مزيج من الهبل والمكر والرقة والعنف، ابتسامة لا معنى لها تقريبا، وقف هناك بدون تحرك، فقط رأسه كان يستدير مع ما تلاحقه عيناه من نساء خرجن بعد الافطار إلى الزيارة، يسكب عليهن طلاء كثيف من عينيه الصغيرتين ويلمع الطلاء بابتسامته تلك، يمينا ويساراً، والحقيقة ان ابتسامته تلك لا تشبه إلا ابتسامة شخص مخدر أو نصف مخمور، ولعله كان كذلك، حمرة وجهه الفاقعة تدل على هذا.
وحين عدت للمرور عليه حوالي الساعة الحادية عشرة والربع كان على موضعه لم يتزحزح، ولكنه رش طلائه الأبله هذه المرة على أربع من رجال الدين، سيدان بعمامتين سوداوين، وشيخان بعمامتين بيضاوين، يسيرون بالتتابع المعهود، السيدان في المقدمة، والشيخان خلفهما، يخبون جميعا بهمة، قذف المجموعة بذات الوجه، ولعل ابتسامته زادت قليلا وإن غطاها طرفي شاربه.
ما أن عبرت الجميع، اوقف احد الشيخين سيارة أجرة، ونادى السيدين ـ اعرفهما ـ أن وداعاً، ودلف مع رفيقه لها، وخلفهم مباشرة مر المبتسم بسيارته مغادرا خفارته الحمقاء تلك، كأنه كان ينتظر هذه المجموعة أن تمر، ليخرج من الولاية.

مما كتبته في 12/ 6/ 2016