عن الدكتوراه ورفيق السكن والخوف والمحبة

(1)

في الغالب، تكون البدايات في الأمكنة الجديدة صعبة، وتتطلب وقت لكي يندمج الانسان بين أهلها، الانسان السوي، فكيف إذا كان شخص انطوائي مثلي؟

(2)

كان علاء العبودي أول من تعرفت به، حين قدمت إلى بغداد طالبا في كلية العلوم السياسية بجامعة النهرين عام 2005، قدم علاء هو الآخر من الناصرية، من ناحية (الفود) التي سميناها (الفهود) وصار علاء بموجبها (أبو الفهود) حينا أو (أبو فهد) أحيانا أخرى.

(4)

كان يكبرني بثلاث سنوات، سمرة جنوبية لا تخطئها العين، وجه دقيق الملامح، وروح ودودة تخبرك منذ أول وهلة بأن صاحبها من أهل الناصرية، الاجتماعيون، أصحاب الأصوات الجميلة الدافئة، قامة نحيلة، طول معتدل ـ وإن كان يفوقني طولا ـ ضحكة ممتدة، ونفس تقتحم وجودك بمحبة كبيرة، يدخل حياتك مباشرة بدعابة قد تبدو ثقيلة من شخص تعرف عليك للتو، يتلوها بضحكة مباشرة لطيفة تبدد (الجفلة) التي اصابتك من هذا الدخول العاصف، تتلوها مصافحة من كفه خشن مكافح ينبيك بالحياة القاسية التي عاناها صاحبه، ليصعب عليك بعدها اخراجه من حياتك إلى الأبد، لا أذكر كيف بدأ الحديث معي، هو من بدأ الحديث دون تردد، لا اذكر كيف، لكنني لاحقا عرفت اسلوبه الأثير، وطبعته الخاصة في بناء شبكته.

(5)

في المرحلة الأولى، انتظمنا في شعبة واحدة، وكنا غالبا نقف معا بعد الدروس، ونتهامس أثناء المحاضرات، كان يسكن في القسم الداخلي، وكنت اسكن في منزل عمتي، في العام التالي، وبعد أن تصاعدت دوامة القتل الدموي في بغداد، سكنت في القسم الداخلي، بعد تردد لم يبدده أحد سوى علاء، اتصل بي وقال: تعال، غرفتك فارغة يخوي، ما عليك باللي يكول ماكو مكان.

كانت الليالي الأولى في القسم الداخلي صاخبة، قرر زملاء الغرفة أن يتظارفوا برأسي، فتناوبوا على وضع المفرقعات تحت سريري أثناء نومي، وحين مللت من هذا الهراء انتقلت إلى غرفة علاء، دون ان تتوقف محاولات التظارف تلك، عندها ظهر معدن علاء النظيف، فبينما كنت قانطا من اضطراري إلى المبيت في القسم الداخلي، متوترا لا أريد ان احتك بأحد أو اماحك مخلوق، مما ردعني عن الرد على المتظارفين، عندها وقف علاء في باب الغرفة ليتشاجر مع من كان يضح المفرقعات بباب غرفتنا، فكفوا من ساعتها.

(6)

بعدها، بقيت وعلاء شريكي غرفة مزمنين لسنوات وسنوات، حتى نلنا الماجستير، نالها قبلي، ولحقت به، وجدت غرفتي جاهزة مع علاء، علاء النظيف القلب، والمفرط النظافة الشخصية، كنا معه ملزمين بنظام صارم من الدقة في الحياة، والترتيب، والنظافة إذ لم يكن يسمح بأن تتسخ الغرفة، أو أن تعمها الفوضى التي تعم غرف الطلاب في الأقسام الداخلية، كنا كأننا في بيوتنا، صحبة علاء، المجد في الدراسة دون كلل، حتى نال الامتياز عن رسالته للماجستير، ونلتها بعده.

(7)

نهاية الشهر الماضي اتصل بي علاء ليخبرني أن مناقشة اطروحته للدكتوراه ستكون يوم 12 /7، ودون تفكير، ومن لهفتي، ذهبت إلى الكلية يوم الخميس الذي صادف 5/ 7، ضحكت على نفسي كثيرا.

(8)

رفيق السكن والخوف والمحبة، زميل الدراسة، صديقي القديم، الجنوبي الشجاع، الأسمر البهي، الممتلئ عزيمة وإصرار، فخور بك أيها العزيز، فخور بما انجزت، فخور باجتيازك لكل المصاعب والمحن، وصولا إلى يومك الكبير هذا، مكلل بالدكتوراه، تليقان ببعضكما أيها الحبيب.

ألف ألف مبارك للدكتور علاء العبودي.