تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (5) الأخيرة

تقييم عام:

لقد حققت تجربة عمان التنموية نتائج باهرة من خلال استخدامها استراتيجية طويلة الامد تؤمن بالتدرج في النمو وفي المزج الناجح بين القطاعات الاساسية في عملية التنمية.

فالتناسق الذي حققته مداخل التنمية اثمر بصورة رائعة من خلال تناسق عمل مدخل التعليم ومدخل المرأة والطفل والصحة ومدخل الحكم الصالح وتدرج التعليم اثمر بأن تبلغ نسبة التعمين في قطاع التربية والتعليم الاولي معدلات عالية جدا وذلك من خلال سياسة تعليم عالي ترفد القطاع التعليمي بالهيئات التدريسية بشكل متواصل مع توفير قطاع صحي ناشط وفعال يضمن للطلاب والمدرسين العمل بنشاط وفعالية في ظروف جيدة ومناخات صحية ترفد العملية التربوية وكل ذلك ضمن اطار حكم مركزي فاعل تسطر فيه وحدة القرار لاتخاذ اسرع اتدابير ضمن ماتحتاجه التنمية مع تقليل الحلقات الادارية الكثيرة وتهشيم البيروقراطية ومكافحة عالية للفساد الاداري.

بالاضفة الى ذلك استمرار صدور التشريعات التي تفرض نسبا من العاملين العمانيين في كل قطاع وحظر  عمل غير العمانيين في بعض القطاعات الاخرى وتقديم الدعم للمنتج الوطني بالرغم من سياسة السوق المفتوح التي تتبناها عمان وذلك من خلال تفضيل المنتجات الوطنية بالنسبة لما تحتاجه دوائر ا لدولة وحتى في القطاعات التي لا توجد فيها شركات عمانية برأسمال وطني مثل قطاع الاستثمار النفطي الذي لآلية منح الامتيازات للشركات الاجنبية فقد بلغت نسب التعيين فيه مستويات عالية ـ لا توجد ارقام رسمية محددة ـ نتيجة للتدريب والتعليم المتواصل في عمان وبالتعاون مع المؤسسات والهيئات الدولية ذات الخبرة وتتضح نسب النجاح المتحققة من خلال عرض الارقام التالية لبعض القطاعات التي تخضع لعملية التعمين.

1ـ بلغت نسبة العاملين العمانيين في قطاع الصحة عموما 66% وفي قطاع الاطباء تحديدا فإن عدد الاطباء في السلطنة بلغ سنة 2007 (2981) طبيبا وطبيبة من بينهم (813) طبيبا وطبية عمانية بنسبة (27%) وانضم اليهم خريجو الدورة الاخيرة من كلية طبجامعة السلطان قابوس فاصبح العدد (904) وبلغت نسبة التعمين في قطاع التمريض (59%).

2ـ بالنسبة الى قطاع التربية والتعليم فقد بلغت نسبة التعمين مديات عالية في قطاع التعليم الاولي ومديات اخرى ممتازة في قطاع التعليم العالي والتدريب المهني.

3ـ بلغت نسبة التعمين في القطاع المصرفي (92,1%) وفي شركات الصرافة (51،6%) بينما بلغت في شركات التحويل الخاصة المرخصة من قبل البنك العماني المركزي نسبة (61،1%).

4ـ اما القطاع الزراعي فيشكل العمانيون النسبة العظمى فيه وهو يسد كذلك نسبة (93%) من حاجة البلاد الى التمور والفاكهة و (64%) من الخضراوات.

والثروة السمكية اغلب العاملين فيها هم عمانيون مرخصون للعمل وقد تم تدريبهم في معاهد خاصة للصيد ويسد هذا القطاع الحاجة المحلية اضافة الى تصدير الآف الاطنان سنويا وكذلك الحال بالنسبة للثروة الحيوانية والموارد المائية.

5ـ تم تعمين قطاع الخياطة النسائية في جميع ولايات السلطنة بنسب تجاوزت (95%) من خلال تدريب النساء في معاهد وكليات خاصة وخارجها وفي كلية القدس بالاردن على الاخص.

6ـ تم تعمين قطاع بيع المواد الغذائية على الخصوص بنسبة (90%) من ولايات السلطنة.

بالاضافة الى كل هذه الارقام ـ جميعها ضمن احصائيات عام (2007) فقد بلغت النجاحات التي حققها برنامج سند لدعم المشاريع التي يتقدم بها الشباب مستويات عالية جداً وقد وصل الامر الى القطاع الصناعي الذي انصب اهتمام الخطط الخمسية الاولى فيه على الصناعات الصغيرة ولكن ابتداءا من الخطة الخمسية السادسة (2001/2005) شهدت تحولا متزايد نحو الصناعات التحويلية والكبيرة وتم انشاء مناطق ومجمعات صناعية ضخمة في عدد من ولايات ومدن السلطنة.

رافق ذلك كله سياسات اسكان متزنة تأخذ بعين الاهتمام مصلحة المواطن وراحته حيث ان (82%) من سكان عمان يسكنون في مساكن يملكونها وهو من الامور التي تشجع على الخدمة المتفانية للوطن.

لقد وفرت كل هذه الامور كفاءات وطنية قادرة على سد الفراغ الذي قد يتركه رحيل الكفاءات الاجنبية وكل هذا ضمن مبدأ الاعتماد على لاذاتن الذي ينتهج التعاون المتكافئ اساساً وليس لقطيعة مع الآخر وهو من اهم ماتميزت به عمان على المستوى الدولي والاقليمي منذ بداية انطلاقتها وتصفيتها للمشاكل والاضطرابات التي تهدد امنها الداخلي قبل ذلك.

واليوم تقف عمان على مفترق طرق تحدد فيه قرارها بالبدء بعملية التنمية السياسية الحقيقية والتحول الديمقراطي ومنح صلاحيات اكبر واهم لمجلس الشورى بوصفه السلطة التشريعية ورفع (الفيتو السلطاني) على اختيار اعضاءه ويمكنها النجاح في ذلك دون ان تمس بشخص السلطان او بامتيازاته وهو امر سبقتها الكويت في تحقيقه والنجاح فيه من خلال اعطائها ـ الكويت ـ دور مهم وقيادي لمجلس الامة.

ومن جانب آخر يأخذ امر تطوير النظام الاساسي وخصوصا فيما يتعلق بأمرن في غاية الاهمية الاول هو وضع السلطة التشريعية في صدارة قوى الحكم والثاني هو آلية تداول الحكم ومسألة اختيار السلطان في حالة فراغ المنصب بصورة مفاجئة وهو الامر الذي وضع القانون الاساسي خطوطا عامة له دون ان يتطرق الى تحديد آليات وتفاصيل تحدد هذا الامر. وفي الواقع فإن الاصلاح السياسي يبقى من اهم الغايات التي تسعى اليها التنمية؛ ان لم يكن اهمها على الاطلاق.

[الصورة: السلطان قابوس بن سعيد البوسعيدي، سلطان عمان منذ 1970، خريج أكاديمية سانت هيرست العسكرية البريطانية]