القسم الثالث.. علي المعموري
مدخل الديمقراطية والحكم الصالح:
في الواقع ان تجربة عمان في مسيرة التنمية تجعلنا نتسائل عما إذا كانت الديمقراطية شرطا اساسا في عملية التنمية؟.
فنظام الحكم في عمان لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان يوصف بأنه ديمقراطي وفق المعايير الحديثة لتقييم الديمقراطية، فلا هو ملكي دستوري يملك فيه الملك ولا يحكم ولا هو بالذي يتصف بفصل السلطات فشخص السلطان هو الاسمى ومنه تنبع القرارات واليه تعود وهورمز وحدة البلاد وذاته مصونة وهو غير قابل للمسائلة او المساس ـ وهووما اشرنا اليه سابقا ـ وهو بأمر ملكي ـ أو نطق سامي ـ يسن التشريعات والقوانين ويلغي القوانين والتشريعات وهو الذي يضع المباديء الاساس التي تبنى على وفق معطياتها خطط التنمية وحتى النظام الاساسي للبلاد الذي منح السلطان هذه القداسة الدستورية لم يصدر الا سنة (1996) اي بعد (26) عام من الحكم المطلق بدون اي دستور او قانون يوضح طبيعة السلطة في عمان.
من جانب آخر فإن السلطة التشريعية التي تتمثل في الديمقراطيات الراسخة بالبرلمان والتي تكون اقوى السلطات لأن جميع مفاصل وسلطات الدولة الاخرى تكون مسؤلة امامها حتى هذه السلطة ويمثلها في عمان مجلس الشورى ليست فاعلة او تكاد؛ فمن حيث الاهمية هي تقع في المرتبة السادسة فيما يتربع السلطان على قمة الهرم ـ وهو ترتيب ورد فيالنظام الاساسي للسلطنة ـ واعضائها يتم اختيارهم من قبل الشعب عبر ممثلين ثم يقوم السلطان بأختيار من سوف يدخل المجلس من الفائزين بالترشيح. ولكن اذا ما لاحظنا مستويات اللنجاح العمانية في المسيرة التنموية فسوف نعود الى التساؤل: هل ان الديمقراطية شرط اساس للتنمية ام لا؟ ام ان للخصوصية العمانية شأن آخر؟ شأن يندرح ضمن خصوصيات بلدان العام النامي والمجتمعات التقليدية بصورة عامة، تلك المجتمعات التي لا يمكن باي حال الانتقال بها مباشرة من حالة التخلف والركود والتقليدية الى ديمقراطية مفاجئة تدع للجميع وعلى السواء؛ المثقف المتعلم والجاهل والأمي يختارون شكل الحكم على هواهم تاركين لخلفياتهم العقائدية والمذهبية والعرقية ان تتحكم بهم وتسيرهم في عمليات التصويت واختيار الانظمة فيختار الطائفي ابن طائفته والتقليدي ابن عشيرته الى آخر هذه المصائب.
ولكن من جانب آخرف النسيج الاجتماعي العماني لا يشكل تنوعا حادا في التكوين وحتى على اختلاف الطوائف فيه فلا يوجد فروقات حادة ويكاد يكون مجمعا على شخص السلطان ولعل هذا ما وفر له ـ السلطان ـ الغطاء الكافي ليهيمن بشخصيته القوية على جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية في البلاد وهو ما وفر له وحدة قرار مركزي سيطرت على التناقضات التي قد توجد في اي جهاز اداري ناشيء ضمن بلدان العالم النامي ـ مع ملاحظة ان الانتماء الى العائلة المالكة (البو سعيد) لا يعد شرطا اساسا للوصول الى المناصب العليا في السلطنة وهو ما يختلف عن الحال في بقية دول الخليج ـ هذا بالاضافة الى التجديد المستمر في الوجوه الي تمسك الادارات العليا كالوزارات وصعود قيادات شابة محل القديمة من ضمن الادارة نفسها بشكل مستمر لضمان تدفق الحيوية في عروق الدولة كل هذا جعل نسب الفساد الاداري تصل الى ادنى مستوياتها في عمان فقد صنف تقرير منظمة الشفافية للعام (2005) عمان كأول دولة عربية من حيث قلة الفساد الأداري، واحتلت المرتبة (29) على المستوى الدولي من بين (159) دولة اخرى شملها التقرير ولم تسبقها بالترتيب اي دولة عربية.
بالإضافة الى ذلك فقد منحت عمان الجائزة الكبرى للحرية الاقتصادية للعالم العربي التي يمنحها معهد فريزر الكندي ومؤسسة البحوث الدولية للعام(2005). وكذلك فإن تقرير البنك الدولي حول فعالية القانون ومؤشرات الحكم الجيد للعام (2004). وضع عمان فيمقدمة البلاد العربية وفي المرتبة (17) على المستوى الدولي من بين (127) دولة اخرى والذي صدر في (2005).
وإذا اردنا ان نقيم عمان من حيث مدى تمكنها من تطبيق مثلث الحكم الرشيد الذي يضم السلطة الواعية والقطاع الخاص المتفرد والمجتمع المدني الناشط فسنجد انها ومن حيث وجود السلطة الواعية فهي تمتلك هذه السلطة اما القطاع الخاص فقد بدأ ينشط ضمن توجه الحكومة نحو تنشيط القطاع الخاص إذ بدأت بتخصيص ـ لا يصح لغويا قول خصخصة ـ بعض المؤسسات الخدمية التي تديرها الدولة مثل قطاعي الماء والكهرباء وتم التخطيط لأن يتولى القطاع الخاص نسبة (46%) من اجمالي استثمارت الخطة الخمسية السابعة (2006ـ2010).
وبالنسبة للمجتمع المدني المدني الناشط فلا يمكن ان تصنف عمان ضمن الدول ذات المجتمع المدني الناشط إذ لا يوجد فيها مثل هذه التنضيمات الفاعلة حقا وبالرغم من سماح قانون العمل ضمن التعديل بمرسوم سلطاني الذي صدر برقم 74/ 2006 بالرغم من سماحه بتشكيل نقابات ضمن ما يمكن ان يعتبر وجها من النشاطات اللاحكومية ضمن بنية المجتمع المدني فلا يمكن ان نجد اليوم نقابات قوية في عمان والجمعيات المدنية المسجلة رسميا لدى الحكومة والتي بلغ عددها سنة 2007 حوالي 66 جمعية ـ تشكل الجمعيات النسوية اغلبها (45 جمعية) وهو امر يستحق مزيدا من النظر ـ لا يوجد لها اي دور فاعل كمجتمع مدني ناشط يؤثر على الحكومة كما يتأثر بها.
وفي الواقع فإذا بدأنا الحديث ضمن مدخل الديمقراطية والحكم الصالح بتساؤل حول علاقة الديمقراطية بالتنمية وبينا انعدام اي ديمقراطية للنظام العماني الذي نجح في مسيرتها التنموية فإننا نعود هنا الى الاجابة عن السؤال بإقرار وجود الصلة ولكن نعيد القول بأن لعمان خصوصيتها بكونها دولة نامية من جهة وبكونها عمان من جهة اخرى؛ عمان التي تتمتع بخصوصيات تاريخية واجتماعية حتمت ان يكون نظامها على ما هو عليه.
ان الديمقراطية شرط اساس ـ ولا نقاش في ذلك ـ لتحقيق التنمية ولكن هذه الديمقراطية يجب ان لا تضخ بصورة مفاجئة في بلدان العالم النامي المتخلفة ويجب ان لا تستورد كآليات وقوالب قد لا تنتج الشكل الملائم محلياً بل يجب تطوير المناخات الديمقراطية ضمن خطوطها الرئيسة من حيث فصل السلطات واختيارها بواسطة الانتخاب مع مراعاة الخصوصيات الاجتماعية لكل بلد.
يتبع
[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]