تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (2)

الفصل الثاني

تمهيد

في الواقع فإن مداخل التنمية تتعدد باختلاف اراء الكتاب الذين عملوا في دراسات هذا الحقل ـ كما سبق ذكره ـ ولكن على العموم هناك مداخل اساس يتفق عليها الجميع وهي تعد من اهم ضرورات عملية التنمية .

ولكي نقدم صورة ملموسة عن مدى نجاح عمان في عمليتها التنموية لابد ان نأخذ بعين الاهتمام هذه المداخل ونحن هنا سوف نتعرض الى بعض هذه المداخل الاساس اذ سوف نتناول التجربة العمانية ضمن ثلاث مداخل اساس هي :

1ـ مدخل التربية والتعليم والتعليم العالي .

2ـ مدخل الديمقراطية والحكم الصالح .

3ـ مدخل المرأة والطفل والخدمات الصحية .

وفي الواقع فإن تقديمنا لتجربة عمان التنموية وسياسات التعمين ضمن اطار هذه المداخل لايعني انها المداخل الوحيدة المناسبة لهذه التجربة. الا ان خصوصية التجربة ضمن  توجه البحث قد تستلزم هكذا نوع من التقسيم بالنسبة الى المداخل المؤدية الى دراستها.

وفي السطور القادمة سوف نبدأ باستعراض جهود عُمان ضمن هذه المداخل الثلاث واهم ما استطاعت  تحقيقه ضمن اطار التحديات التي تفرضها وسوف نحاول تقديم صورة عن مدى نجاح في كل منها ثم سيتم تقديم تقييم عام لتحديد تأثيرمدى النجاح في كل مدخل على الموضوعة الأساس وهي سياسات التعمين التي تعني قبل كل شيء تسليم الإدارات والأعمال في مختلف القطاعات والمستويات والإختصاصات الى الكفاءات الوطنية العمانية.

وهنا لابد أن نذكر أن مسيرة التنمية التي إبتدأت منذ سنة 1970 وهي سنة تولي قابوس بن سعيد الحكم في عمان قد ارتكزت منذ البدية على خطط تنموية مدروسة ضمن خطة استراتيجية طويلة المدى (1976ـ 1996) تخللتها خطط خمسية مدروسة ابتدات بالخطة الخمسية ألأولى (1976ـ 1980) ثم الستراتيجية طويلة المدى (1996ـ 2020) لتحديد المسارات والأدوات ولأهداف المراد تحقيقها اقتصاديا واجتماعيا على أمتداد المرحلة الثانية للتنمية الوطنية وقد أعتمدت ايضا اسلوب الخطط الخمسية لتحقيق اهدافها ضمن تدرج كان يراعي مدى توفر الطاقات الوطنية لتحقيق النجازات المطلوبة وقد (( وقد حققت هذه الخطة الطويلة الأمد اطارا كليا مستقرا للإقتصاد العمني ليتم تحقيقه والوصول اليه وبما يوفر معدلات نمو مستهدفة للإقتصاد العماني وتحسنامحسوبا في نصيب الفرد من الدخل القومي وذلك عبر تنويع مصادر الدخل القومي للسلطنة بزيادة مساهمات قطاعات الغاز الطبيعي والصناعة والسياحة والحد من الإعتماد الكلي على النفط مع تنمية القطاع الخاص وتنشيط سياسات التخصيص وتحقيق تنمية متطورة للموارد البشرية وجذب المزيد من الإستثمارات في اطار تنمية مستدامة تحقق مزيدا من الإندماج في الإقتصاد العالمي )) .

أولا: مدخل التربية والتعليم والتعليم العالي .

لقد أخذت عمان بالمبدأ القائل بأن الإنسان هو غاية التنمية ووسيلتها. وهو ما صرح به السلطان قابوس مرارا وتكرارا. وفي هذا الإطار عملت على ايجاد سياسة تعليمية وتربوية تضمن لها تطوير كفاءاتها الوطنية. وقد تميزت مسير التعليم العماني بالصبر حيث إنها بدأتمن الصفر لأجل اعداد كفاءات تعليمية عمانية. وفي هذا السياق قامت بتدرب الدورات المتعاقبة وتأهيله للتدريس من خلال التعاون المثمر والتنسيق بين وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والوزارات والهيئات الأخرى المعنية ؛ من اجل ان تتكامل الجهود فيما بينه اجميعا لإداد الخريجين على نحو يمكنهم من شق طريقهم في مراحل التعليم الأخرى أو الى سوق العمل وفقاَ لمتطلبات التنمية في الوقت الحاضر والمستقبل. وقد حرصت عمان من جانب آخر على تعليم من فاتهم قطار التعليم واخراجهم من ظلمات الأمية .

وفي الواقع فإن جهود تطوير التعليم وفق الناهج الحديثة المتجددة قد اصبحت سمة اساسية للتعليم في عمان. حيث انها اخذت بعين الاهتمام مسألة رفع كفاءة المعلمين من حيث تنويع اساليب تدريب الهيئة التعليمية داخليا وخارجيا بما في ذلك المشاغل التربوية وحلقات العمل والنقاش والابتعاث الى الخارج اضافة الى مشاريع اخرى اليكترونية متطورة مثل مشروع البوابة التعليمية الاليكترونية التي تظم كل عناصر المنظومة التعليمية وربطها معا بما في ذلك ديوان عام وزارة التربية والتعيم والمشروع التكاملي للانماء المهني والتدريب الاليكتروني والحقيبة المتلفزة وملف النمو المهني وهي تسهم في تطوير اداء المعلمين وتحقيق جودة التعليم وتوفير عمليات تدريب وتقييم متواصل لتطوير قدرات العاملين بما يفيد ويحقق اهداف العملية التعليمية بالاضافة الى ذلك يتم استخدام طرق تدريس حديثة واستخدام الحاسب الآلي والشبكة اللاسلكية الخاصة لربط المدارس على مستوى السلطنة لتزويدها بالمواد التعليمية اضافة الى تأسيس وحدة لإنتاج الوسائل المتعددة بوزارة التربية والتعليم.

وقد تم الغاء نظام التشعيب المتخلف الذي ورثته الدول العربية من عهد حكم اللورد كرومر لمر وحماقاته الكثيرة والذي  كان معمولا به في الصفين الحادي عشر والثاني عشر (الخامس والسادس الاعدادي) علمي/ادبي لاتحة الفرصة امام الطلاب لدراسة ما يتناسب مع ميولهم وتطلعاتهم.

وفي اطار عام يهدف الى العناية بالطلاب وتوفير اساليب تعليمية متطورة لتنمية مهاراتهم وتوجيه هذه المهارات بشكل صحيح وزيادة القدرات على التعلم الذاتي لمستحدث في عمان وكذلك نظام التقويم المستمر الذي الايعتمد على اسلوب الامتحانات فقط ولكنه يشمل كذلك المشاريع الطلابية والبحوث والاختبارات القصير والفصلية والملاحظات الصفية وغيرها.

الى جانب ذلك فقد تم تأسيس مدارس للتربية الخاصة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل اكبر ولمعلجة صعوبات التعليم وكذلك مشروع الوفاء بمعهد عمر بن الخطاب للمكفوفين.

اما بالنسبة الى التعليم العالي فقد تأسست جامعة السلطان قابوس سنة (1986) وقد اريد لها ان (( تسيربخطى حثيثة ليس فقط لتطويروتحديث برامجها العلمية واستحداث برامج للتعليم والتدريب تخدم مختلف قطاعات المجتمع العماني وايضا لتصبح منارة فكر وصرحا متميزا للتعليم العالي قادر على اعداد الكوادر الوطنية المؤهلة وتشجيع البحث العلمي والاسهام الفعال في دراسة وانجاز خطط لتطوير المجتمع العماني وتعزيز جهوده التنموية  في  مختلف المجالات.)) وتضم جامعة قابوس سبع كليات تمنح درجات جامعية مختلفة بالاضافة الى مجموعة من المراكز البحثية وايضا توجد في عمان (14) كاية جامعية و(17) معهدا متخصصا بالاضافة الى (20) مؤسسة تعليمية تعليمية خاصة منها ثلاث جامعات اهلية وفي اطار الخطة الخمسية السابعة (2006ـ 2010) تم وضع استراتيجية للتعليم تقوم على خمس مرتكزات اساسية هي ادارة التعليم والتحاق الطلبة وتقدمهم عبر المراحل التعليمية وبناء الجودة في التعليم والبحث العلمي والتطوير وتمويل التعليم.

من جانب آخر يأخذ موضوع التدريب المهني حيزا مهما ضمن خططك التنمية فمن جانب تقوم معاهد التدريب التقني التي تشرف عليها وزارة القوى العاملة ـ وهو الامر الذي سوف نعود اليه لاحقا ـ تقوم بعملية تطوير مستمرة للتدريب التقني من خلال التعاون مع مجموعة من المنظمات العالمية مثل منظمة العمل الدولية والوكالة اليابانية للتعون الدولي والمؤسسة الهندسية البريطانية والمؤسسة الاسترالية للتدريب والمؤسسة الالمانية للتعاون الفني.

ان سياسة التطوير المستمر للتعليم مكنت عمان من امتلاك خبرات كافية تساعدها في مسعاها لتعمين الوظائف سواء في القطاع الحكومي ام في القطاع الخاص بالنسبة لحداثة التجربة التعليمية فقد تحققت طفرات هائل في التعليم فوجود هذا العدد من الكليات والمعاهد بالقياس الى المدة القصيرة التي بدأت بها التجربة يعد شيئل مذهلا وهو ما سنرى اثره على سياسة التعمين في التقييم العام.

ولكن هناك ملاحظات لابد من تسجيلها على مسيرة التعليم العماني؛ وبالاخص فيما يتعلق بالتعليم العالي.

فمسألة تعدد الجهات المشرفة على قطاعات التعليم تثير تساؤلات حول جدوى هذا التقسيم. فنحن نجد ان وزارة التعليم العالي تشرف على خمس من الكليات التخصصية وعلى كلية التربية بالرستاق وعلى شؤون البعثات ومؤسسات التعليم العالي الخاصة اضافة الى جامعة قابوس.

بينما تشرف وزارة القوى العاملة على الكلية التقنية العليا وكليات التقنية ومعاهد التدريب المهني وتشرف وزارة الصحة على المعاهد الصحية والبنك المركزي العماني يشرف على كلية الدراسات المصرفية والمالية ويتبع معهد العلوم الشرعية وزارة الاوقاف والشؤون الدينية وتتبع الاكاديمية العمانية للسياحة والضيافة وزارة السياحة.

ان هذا التشتت ـ ولانقول الفوضى ـ في تقسيم جهات الاشراف على التعليم العالي قد تؤدي فيما بعد الى مشاكل جمة واذا لم تظهر في الوقت الحاظر فما ذلك الا بسبب الاندفاعة القوية التي تسير بها عملية التنمية ككل من جهة وسيطرة جة مركزية على مفاصل الدولة ـ متمثلة بالسلطان ـ من جهة اخرى.

ففي حالة غياب جهة عليا مركزية موحدة تسيطر على رسم سياسات التعليم العالي وترسم الخطوط العامة للمسيرة التعليمية لايمكن ضمان المسيرة تعليمية متزنة بالرغم من ان التقسيم الذي اخذت به عمان يقوم على اساس ان مخرجات كل قسم يجب ان تكون متماشية من حيث تعليمها وتدريبها  مع الاحتياجات الفعلية للقطاعات المرتبطة بها وهو ما يسهل ـبحسب الادارة العمانية ـ استيعابها في دولاب العمل بعد تخرجها.

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.