الذين يستنزفون الروح

(عجبت لمن لا يجد في بيته الطعام كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه)

أبي ذر الغفاري

هذه الدمعة الغالية

الدمعة التي تحاولين حبسها عن ان تديف بضاعتك البائسة بالأسى فيجفل المشتري عنها

أو لعلك تخشين ان يشعر الغريب الذي يشتري منك بحجم الحزن الذي يعتصر فؤادك المضنى فتصيبينه بحرقة تجدين ان لا ذنب له فيها، وأنه لا يجب أن يشعر بكل الوجع الذي يعصف بروحك

انا اعرف ان اكثر الدائرين على هذا الرصيف الذي اتخذتيه دكة لأساك هم من الكاذبين

ولكن هذه اللوعة التي تعتصر كيانك لا يجيد تصنعها إلا ممثل بارع من بلاد رعاة البقر الغلاظ

وان هذه الحسرة التي تكاد تغطي ما حولك تنبع من قلب ثلمه العراق

العراق الذي يضطر المفجوعين إلى السؤال

والكذابين إلى السؤال

والممثلين البارعين إلى وأد مواهبهم في الاستجداء

عساها بحظكم وبختكم:

ـ القائمون على بيت مال الله، الذي يتبعثر ذات اليمين وذات الخبب

ـ السرّاق القائمون على موارد النجيع الأسود المشئوم الذي ينزفه العراق منذ أزل من المواجع، فيقطع الفيافي والبحار، ليدفأ ذوي البشرة الثلجية، وتزداد ثرواتهم المتوحشة وحشية، وقلوبهم السوداء جلادة، وضمائرهم الميتة خسة، ولا يقبض الجياع منه سوى الألم.

ـ المتخمون بالمال الحرام، الذين ينثرون أوراق الاستعباد الخضراء على الاجساد المعروضة للبيع، وتشح نفوسهم المريضة عن بطون الجياع، وتصاب أعينهم بالقتامة، ويحشو وقر الباطل آذانهم المشوهة.

بغداد، أيتها الجميلة، أيتها الكسيرة:

لا زلت تفقدين كل شيء، وتبدلين كل عاداتك، وتتركين سجاياك القديمة، إلا حرصك على ان يتوجع المتوجعون فيك إلى غاية المدى، وينعم المترفون فيك غاية الترف، لتصرين على ان تكوني صورة العراق المُسرف بالشحة، المُسرف بالندى كما يقول الجواهري، رحم الله الوائلي، كأني أسمع صوته المثقل بالحزن العراقي الأبدي يقول:

 

بغداد يومك لا يزال كأمسه…………..صور على طرفي نقيض تجمع

يطغى النعيم بجانب وبجانب…………يطغى الشقا فمرفه ومضيّع

في القصر أغنية على شفة الهوى……والكوخ دمع في المحاجر يلذع

ومن الطوى جنب البيادر صرّع…….وبجنب زق أبي نؤاس صرّع

وها أنا، أبكي من قلبي، وقد جلست استمع إلى ما يعذرني عند من يراني باكيا، أجد في المصيبة الحاضرة ما أجده في المصيبة الغابرة

بغداد ــ الكرادة 18/11/2014

[عزيزي اشرف الزبيدي، لكم تذكرتك الليلة، حينما كنا نتمشى ذات ليل بغدادي في الكرادة، وانت تخب بهمة وتفرغ ما في جيوبك لكل سائل يسألك، تكتم الحرق في روحك، ثم تلفت لي وتقول: (كل واحد هذوله ياخذ يوم من عمري من اشوفهم)، وأنا معك، كل واحد منهم، صدق أم كذب، يستنزف روحي ببطء]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.