عن قانون مهزلة المعادلة وأشياء أخرى

حديث سيغضب منه أصدقائي، بعضهم

ما دمت قد قطعت عزلتي واعتزالي الفيسبوك، مؤقتا، قلت في نفسي، لألقي كلمتي وأمضي، واستجلب مزيدا من الزعل على نفسي، في هذا المزاد الحافل بالغث والسمين، والترقب لما ستسفر عنه انتخابات الامريكيين، ثور هائج، أم حية متمرسة.

كعادة برلماننا الموقر ـ أوقر الله مساعيه ـ أتحفونا بقانون فضيحة، سعى به عدد من النواب، ليزيدوا طين مشكلة الشهادات العليا في العراق بلة، ومستنقعها أسنا.

قبل كل شيء، لا أنكر المهزلة التي تتبعها وزارة التعليم العالي في معادلة الشهادات، فتحاسب خريج اوكسفورد معاملة دكاكين الشهادات العليا التي يغترف منها العراقيون بالجملة ـ نحمده على مكاره مقاديره ـ وتلحف بالروتين والتعقيد حتى يصيب أهل الجامعات العشرة الأولى العجب من هذه الاجراءات، ولكن، ما لهذا الأمر من بد، في هذه المهزلة المسماة شهادات عليا.

ينتحب المئات على الفيسبوك منذ أيام، يشتمون المعترضين على القانون الفضيحة، الذي أعدته اللجنة القانونية وليس لجنة التعليم العالي! وأن كل من ينتقده موتور أو حاقد أو مستفيد، وأن الوضع خربان، ولا يقف عند هذا المعول الجديد، وهم فيما يقولون على باطل كبير مغلف بحق احمق.

بدلا من السعي لترصين التعليم، والضغط باتجاه موائمة مخرجات الكليات لسوق العمل، وإيقاف هذا السيل الاحمق من شهادات الدكتوراه والماجستير بهدف التعيين، أو العلاوة على الراتب المتشج باقتصادنا الريعي الاحمق، الأهوج، الغبي، وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى أن نقلل من عدد الكليات، ونلتفت للتعليم المهني، لنعزز الاقتصاد بصناعات محلية، نأتي لنعادل مليون شهادة يعلم الله عدد المضروب منها وعدد الرصين، وعدد الباحثين الحقيقيين الذين انتجتهم الدراسة وصيرتهم حملة شهادات عليا.

لا أغامر، ولا أتجنى إذا قلت أن أغلبها إنما يكون سعيا باتجاه زيادة الراتب، أو التعيين وإثقال موازنة الدولة المثقلة بـ8 مليون راتب تستحق حوالي 5 مليار دولار شهريا ـ عام 2003 كان لدينا حوالي 800 الف موظف، قبال 4 ملايين اليوم يضاف لهم المتقاعدون ـ طالب العلم الحقيقي لا يأبه إذا احتسبت شهادته أم لا، ونال عليها مال أم لا، أعرف الكثيرين من اصدقائي ممن نالوا شهادة الدكتوراه بجدارة من جامعات عريقة، وهم باحثون على قدر كبير من الابداع، ولم يعادلوا شهادتهم، ولم يأبهوا بالمعادلة، أما الناعين الداعين بالويل والثبور على كفائتهم المضيعة فيعلم الله كم منهم يستطيع كتابة مقال صغير دون أخطاء علمية، مقال مفهوم ذو قيمة.

بعض الناشرين يناولوني بين وقت وآخر اطاريح دكتوراه، وشهادات ماجستير، انجزت في الخارج، لأقيم صلاحيتها للنشر، وأصدم بما فيها من خطل علمي يبدأ من عنوان الرسالة او الاطروحة، ولا ينتهي عند المنهجية، والخطة، واللغة، وحتى في سرد المصادر واستخدام ما يتعلق منها بموضوع الدراسة ذاتها، فأعجب للمشرف واللجنة التي أجازتها، ثم يعود صاحبها وقد دمغ اسمه بميسم الدكتور، ينال الدرجة الوظيفية وعلاوتها، ثم يصمت صمت أهل وادي السلام فلا بحث ولا مقال ولا حتى فكرة مكتملة الجوانب، تامة الملبس، اقرأ هرائهم المسمى اطاريح ورسائل، فأرفضه دون تردد.

ماذا تصنع العديد من الوزارات بحملة الشهادات العليا؟ ما حاجة وزارات خدمية بحامل شهادة عليا يدير قسم مهني بحت يعتمد الخبرة العملية؟ لكم أحيي مجلس القضاء الأعلى الذي أرسى رئيسه السابق قاعدة لا محيص عنها: لا نحتاج شهادات عليا، نحتاج قضاة وكادر ينجز أمور القضاة وحسب، فيرفض طلب كل طالب للشهادة، تريد الدراسة لترضي ذاتك؟ أهلا وسهلا، خذ إجازة واذهب، ولكن لا تطلب مني احتسابها ومنحك المزيد من المال عليها.

قانون تضخيم الرواتب المسمى بمعادلة الشهادات هذا فضيحة جديدة، تضاف لفضائحنا التي لا يسترها جلد بعير بسمكه، الحق أقول لكم، أنا مع إيقاف الدراسات العليا في العراق ـ خصوصا الدراسات الانسانية ـ لعشر سنوات، لا يحتاج الباحث المجد إلى شهادة عليا ليثبت قدرته البحثية، وأن تقتصر على حقول معينة وبعدد محدود من المقاعد، وأن يتم التشدد غاية التشدد في القبول والدرس والكتابة حتى المناقشة، بذات الوقت، تلتفت كل وزارة إلى من لديها من حملة الشهادات العليا، ويتم تقييم مدى استفادة الوزارة من الشهادة تلك، وهل تستوجب مخصصات؟ وهل ينجز حاملها بحوثا قيمة؟ هل يكتب أوراق توصية تثمر قرارات تسير بالعمل قدما؟ وإلا فلا علاوة ولا مخصصات مالية لها.

وقبل ان تشتموني، أنا أول المتضررين من هذا القرار العقلاني لو اتخذ، أنجزت الماجستير فقط، وأعمل كباحث في مركز دراسات حكومي، وسيوقف القرار مسيرتي المهنية ويعرقل استحقاقا يشهد لي به كل العاملين في حقلي التخصصي.

والسلام