بيروت….الجمال المنكسر والبهاء المتواري

علي المعموري

كانت بيروت في زيارتي الأولى لها قبل سنوات محض جمال باذخ، قد تعكره بعض المشاهد المحزنة لحدة الفارق بين الغنى والفقر، أولها ما يصدعك من نافذة الطائرة وأنت ترى منطقة الاوزاعي ــ نسبة للفقيه الكبير رحمه الله ــ وبيوت الصفيح فيها، وخلفها ناطحات السحاب.

العراقيون؛ يبحثون في مشافيها الباهظة عن أمل بالعلاج لعللهم المترعة بالخيبات.

وقد تجد متسولا هنا وهناك.

وقد تزعجك اقتحامية الغجر وهم يعرضون بضائعهم المادية والمعنوية ــ بعد عرض ….. عرضت علي امرأة غجرية أن “تأخذلي خيرة” أي والله خيرة، لي، أنا القادم من النجف! ــ رغم كل ذلك، فإن عينك لن تخطأ الكاذب من الصادق، وقلبك لن يبتعد عن الجمال الذي يحيطك حيث التفت، بشرا وحجرا ونبات.

كانت سوريا وقتها لا تزال دولة آمنة ــ لا تدخلوني بقضية الدكتاتورية رحمة لأمواتكم، فهذا موضوع لا حكم لي بشأنه اليوم ــ، وإنك إن وجدت سورياً في بيروت فهو عامل يكد بشرف لتحصيل قوته، أو… ولكن من غير ذلك الاضطرار الكريه الذي صار البشر إليه اليوم.

زيارتي الأخيرة كانت عبارة عن ألم يضطرم كالرصاص على النار، تتقلب عيناي الموجوعتان على الأطفال السوريين ووجوههم البهية يركضون خلف المارة في الحمرا، الفتيات المؤتلقات حسنا والعجائز المنهكات، يحملن علب اللبان البائسة يتسقطن رحمة المارة بكرامتهن الجريحة.

أحاول أن انتشي بالجمال الذي اتذكره عن بيروت ولا أستطيع، فقبح الفقر، وقبح التهجير، وقبح الانسانية التي تجردت من الرحمة يحاصرني أنّى التفت، أنّى سمعت كلمة خليجية تدعي الترف ولا تستطيعه، أنّى سمعت نبرة متخمة بالدولار تقف خلف الخراب هذا، من عرب وغير عرب، اقلب نظراتي في الوجوه المتوجعة، فلا أرى غير العراق، بنوه “المتهجولين” ومراياهم السورية!

#الأثمان_الباهضة

[الصورة المرفقة بعدستي من سوق مدينة جبيل القديم، شتاء 2013]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.