أرشيفات الوسوم: بغداد

جعيفران الموسوس

كان صوت الفرات – يخب مسرعا نحو الأفئدة التي تنتظره – النسيم الذي يحدثه جريانه؛ يدفعانه بإحكام صوب دجلة، بمائها المنساب رويدا
فكانت بغداد، التي تملئ فم الأديب بالذهب ـ أو هكذا قيل له ـ
كان يتطلع الى حياة تليق بشاعر
ينفق عن سعة
ويسكن في رحب
ويأكل كما يحب
تصب في اذنه الموسيقى وضحكات “الكرخيات”
وردها معدم لا ميراث بجيبه
ولا وجيه يحميه
عرف المدينة بقدميه
جالها طولا وعرضا
لمس كبريائها وجمالها وخيباتها ووجعها
المدينة التي حلم بأن يعيش حرا فيها
سلبته نفسه
ضربته حتى اثخنته
عصرته حتى يبس
واطفأت مصابيحه، كسرتها قنديلا فقنديلا حتى صارت العتمة فراشه وغطائه
وردها خالي الوفاض إلا من أمله
فاختضمته قصورها الفسيحة، وبيوتها الضيقة، حتى مات الغد في قلبه
وصار عقله رميما تدوسه الارجل وتدعكه دعكا
يغرق في وساوسه
يغيب في لحظات من الهلع بمفرده
ثم يثوب، ليهيم في الطرقات التي أوحشتها الحروب والحفر
فتتبعه همسات الكبار وضحكات الاطفال
تسخر من جعيفران الموسوس
وهو، المدقع
بأحلامه الخاسرة
وأماله الذاهبة مع أمواج دجلة واشرعة قواربها الغاربة، التي يتمناها الشعراء كفنا حين يأزف المغيب
يطفو على السخرية ولا يسمعها
جعفيران يتمتم، وهو يدور حول ذاته، وحيدا، منذ قرون وقرون:
طافَ بِهِ طَيفٌ مِنَ الوَسواسِ
نَفَّرَ عَنهُ لَذَّةَ النُعاسِ
فَما يُرى يَأنَسُ بِالأُناسِ
وَلا يَلَذُّ عِشرَةَ الجُلّاسِ
فَهوَ غَريبٌ بَينَ هذي الناسِ
الصورة: زقاق من بغداد التي شغفت جعفيران، وحطمته، كما هو شأنها، بعيني.
بغداد 8/ 2019

#جعيفران_الموسوس

اسطنبول

انها المرة الاولى التي ازور فيها مدينة ذات تاريخ امبراطوري توسعي – هل ألطِّف المعنى القديم للاستعمار؟ نعم، أنا افعل لسبب سيتضح لك يا رعاك الله – زرت مدننا كثيرة، مدن جميلة، بعضها امتلكت تاريخا عريقا زاخر بكل ما يستوقفك كثيرا لتتأمله، وتتفكر بمساره وتحولاته، ولكن، مدن مثل التي افتتحت بها حديثي؟ لا، اسطنبول الاولى.
هذه المدينة مثل أي مدينة فائقة الجمال، تنطوي في ثناياها على قسوة بالغة، روحها الحسناء متوهجة تحرق كل رقيق، وتطحن بثقل متطلباتها كل هش ضعيف، لكنها مدينة ذات جمال باذخ، متوحش، كل ركن فيها يستوقفك، يدهشك حتى يسلبك انفاسك، حتى اكثر احيائها خطورة، يتربع على صدر خليج القرن الذهبي بكل جماله – مثل منطقة قاسم باشا، الخطرة التي نشأ #اردوغان فيها.
ولكن، وبالرغم من كل ذلك، لم استطع أن احبها لأن كل “سراي” جميل فيها، وكل مسجد مهيب يهيمن بارتفاعه الشاهق على بناياتها التي لا تعلو فوق معالمها التاريخية، على الرغم من تذمر صديق اكاديمي اسطمبولي مما يراه تراث مضاع في مدينته – اتذكر مدينتي التي غطاها الاسمنت بوجع – لم احبها، لأن كل هذا الجمال يذكرني بما سلب من بلداننا، ونقل إلى الاستانة، ليوزعه السلطان – ظل الله في الارض كما كتب على باب قصر طوب قابي – كيف يشاء، فتشاد السرايات “القصور” والمساجد، والاسبلة المذهلة.
ولكن مهلا، واعود هنا لسبب تلطيفي لماضي مثل هذه المدن، اليست بغداد التي احب، واعيش فيها لأكسب عيشي، اليست ذات ماض يشبه ماضي اسطنبول، بعبارة الرشيد التي ترن في اذن التاريخ مخاطبا غمامة مرت فوق رأسه: أينما أمطرت لي؟
اقف هنا لأسأل نفسي، ألا أنقم من بغداد ما نقمته من اسطنبول لو حاكمتها بعين الذين جُبي الخراج منهم لخليفة بغداد كما جُبي لخليفة اسطنبول؟ نعم، هي امبراطوريات قديمة ما كان لها أن تكون غير ما كانت، هي ابنة سياقها التاريخي، ومتطلبات زمنها، لكنني هنا اركز على الذات البشرية، عن منظارها إذ يستدير لداخلها، إذ تحدق في المرآة، هل تحاكم التاريخ بذات المعيار؟ هل تقف محايدة على الدوام؟ هل تقرأ الحدث في سياقه الزمكاني بذات الموضوعية دائما؟
لا اظن، حكايتي مع اسطنبول وبغداد تخبرني بذاتي المنحازة، وهي تحب وتتداعى افكارها الداخلية في غير السياق العلمي على الاقل.
#بغداد
#اسطنبول
الصورة: مدخل قصر طوب قابي، تصويري

عمارة عراقية من بغداد

هذه التدوينة صورية، لبعض منشآت بغداد، بيوت وعمارات تجارية.

  1. خان مرجان، شيد سنة 760 هـ

بوابة الخان

تفصيل من احد شبابيك الخان

2. تفاصيل من شارع الرشيد

 

رفع المستأجر احد الأبواب الخشبية ووضع محله باب المنيوم قبيح، في الطابق الثاني

3. تفاصيل من الكاظمية منزل مبني عام 1944

منزل آخر