كيف خسرنا مهاراتنا؟

أخبرني صديق عزيز، فنان ومثقف مهم، أن هناك مسؤولا بعثيا كبيرا من إحدى العشائر الجنوبية القوية التي دخلت في صدام شرس مع صدام حسين طوال حقبة حكمه، هذا المسئول لم يقتل بعد الـ2003، لأنه لم يؤذ أحد، حضر مجلس فاتحة لعشيرته ذات يوم فغمزه ولمزه بنو عمومته، فقال لهم: ماذا قبضتم بعد 2003 سوى أنكم أصبحتم شرطة؟ لماذا لم تأتوني قبلها طالبين التعيين كشرطة ونفض الموضوع من جذره بدل القتل والتشريد الذي تعرضتم له؟
هذه الحادثة تلخص الكثير من ورطتنا الحاضرة.
بعد
حين أصدر عبد الكريم قاسم قانون الإصلاح الزراعي، لم يعززه بجمعيات تعاونية فاعلة توجه الزرع والتسويق والانتاج، ولم يضع سياسات لتدارك مشكلة بعض المحافظات الجنوبية وعقدتها من الأرض والزرع (ارد اشرد لبغداد من الفلاحة… لا تـﭽـسي العريان لا بيها راحة) ماذا حدث؟ صدم الفلاح بحجم الامور التي ينبغي عليه أن يقوم بها، من شراء البذور، إلى تسويق الحاصل والتعامل مع التجار المرابين، ونقل الحاصل، وبلاوي أخرى كثيرة لم يكن معنيا بها من قبل، فاتخذ الحل الأسهل، هرب إلى بغداد، ليعمل شرطيا، أو فرّاشا بباب دائرة أو طبيب، أو چايـﭽـي في أحسن الأحوال.
ثم جاءت 2003، بقافلة كبيرة من غير المؤهلين لإدارة علوة مخضر، ناهيك عن دولة معقدة مثل العراق، وبرعاية تخريبية أمريكية إيرانية، لنغطس تماما في اقتصاد ريعي مدمر، ونتوسع بسياسة التوظيف حتى يتضاعف عدد الموظفين في الحكومة لثلاثة مرات، ويتضاعف عدد من يتلقى الرواتب لعشرة مرات، ونقفز في سباق الارانب للانجاب من 20 مليون نفر إلى ما يقارب الـ40 مليون عالة، كلهم يعيشون على #حشيشة_الحكومة المسماة رواتب.
أمسيت تجد الفلاح العراقي، وقد صار اربعة من ابناءه في الجيش والشرطة والاتحادية والرد السريع، وأخذ الأب الولد الخامس والتحقوا بالحشد، بالبيكب التي اشتروها من نقود المبادرة الزراعية المضحكة، التي اخذوها على الارض، او الماشية، ونزلوا بها واشتروا بيتا في الولاية، وهايلوكس تويوتا بيكب التي يسميها العراقيون ولأسباب غير مفهومة (فلاونزة الطيور).
بهذا، وبعجز الحكومة عن الاستفادة من قدرات خريجي كليات الطب البيطري والزراعة كما كان يحصل في السابق، وبابتعاد الابناء عن خبرة آبائهم في الزراعة، وبترك الاباء للممارسة في الزرع وتربية الحيوانات، فقدنا خلال 17 عام تقاليد في الزرع والتربية الحيوانية راكمناها خلال 10 الاف عام، وبقانون بريمر للبذور سيء الصيت، فقدنا سلالة من البذور هي من الأقدم في العالم، ولم يتحدث أحد عن هذا القانون والظلم الذي احدثه، وركض الفاشلون لإصدار قانون لمعادلة الشهادات يتساوى فيه الفاشلين جميعا في الخسارة مع المجدين.
غدا، وحين تشح الرواتب أكثر وأكثر، ونعجز عن الاستيراد لملئ جيوب الباشوات من اصحاب السماحة المستثمرين، سوف يكون ابناء الفلاحين عاجزين عن مسك المسحاة بطريقة صحيحة فضلا عن معرفة مواعيد البذار والحصاد، وسنجد أن الزراعة صارت عارا على حامل الكلاشنكوف، وسنأكل بعضنا كالضباع الجائعة.
سيكون تيجان الرأس من ضاربي ركعة الاصلاح والمقاومة إلى ضاربي الأوزو ـ الذين لم يفلحوا حتى بالحفاظ على مشروب العرق الوطني ـ وقتها في مشارق الدول المحترمة ومغاربها، يتنعمون بإيراد سنوات من قتل الأرض، والمواهب، وتضييع الخبرات والتجارب، وجلب نفايات الصين وايران وتركيا وغيرها من الدول إلى هذا الأرض، ونكون قد جردنا بالصيد الجائر بادية العراق، ونبته، وقتلنا نخيله، ونفد بالجمع الجائر ما لديه من موارد كالصخر والنفط وغيرها من المواد دون رقابة ولا متابعة، ساعتها، سيكون السعيد من يسلم على باب بيته مصانا من القتلة الجدد الذي ادعوا بالأمس حمايتنا.
تعديل: من المهم قراءة تعليق مولانا ايتش هومو الفراتي على المنشور.