بلا عنوان

لو بعث الكليم، فإن جولة واحدة في أي شارع تكثر فيه عيادات الاطباء في العراق كافية لأن تدفعه لتكرار فعلته القديمة، لقتل دون تردد، ولرفع صوته بالاحتجاج الصاخب كعادته، فصاحبه العبد الصالح يتجول هنا ملوحا بعصا حكمة غامضة، حتى هو لا يعرف معناها، يطيح بالفقراء ذات القتال وذات المرض، عصاه تقتل وتهدم وتبني وتخرق، دون أن يستطيع تقديم عذر دقيق، فلا  المساكين عادوا يمتلكون سفينتهم، ولا عاد الملك يهتم بالسفن، والأبناء الصالحين يقتلون أو يهاجرون أو يلتقمهم البحر خلال المحاولة، الجدران تتهدم ولا كنوز تحتها، بل تبدت عن قبور قديمة رطبة محملة بأعباء التاريخ، ولا يبقى بيد الامهات سوى أبناء سيئين وذكريات موجعة، يجلسن في عيادات الاطباء بمفردهن، يحسبن قبور الأبناء في وادي السلام، وما تبقى من نقود “الدفنة*” التي تتناقص كلما أخذهن الخبب إلى الطبيب، يحدقن في فراغ يمتد إلى مضاجع الأحبة، ويتمتمن بلغة خفيضة فقرات من “زيارة وارث” ويهمسن: خذ حتى ترضى.

بلا نحو بلا وجع راس

* لغير العراقيين، ” الدفنة” هي النقود التي تجمعها العراقية لتجهيزها للدفن حين تغادر هذه الأرض الموجعة لترقد جنب أحبتها.