الذين لا نجيد الاعتذار لهم

يقضم النهر في مسيره الأرض، يقتطع من روحها دون ملل، وتحبه الضفاف دون تحفظ، تمنحه من روحها المزيد، وتورق على كتفيه شجرا وبشرا.

يستقبل الواحد منا الصباح بوجه مكفهر، فتضحك أمه في وجهه، رغم أنه عاد متأخرا، وملئ قلبها بالوجل، وبدأ صباحه عابس الوجه، جائع مثل كلب متشرد، هو لا يعتذر، وهي تتقبل شعوره بالخزي، الخزي الظاهر في تنمره، وتعنته، وتصرفه وكأن شيء لم يكن.

يطعن الفلاح ضلوع النخلة وهي تكبر، يختضم سعفها ليحيله كرباً يتسلقه نحو ثمرة فؤادها، ويحرقه ليخبز قوته، ولا تغضب النخلة وتستمر بالعطاء، تفيض عليه وتظلله عن هجير الشمس، وتمد سعفها أكفا حانية ترعى القداح المتفتح في ظلها.

يستمع الأخ الصغير لسيل العنف المتدفق من فم أخيه، عنتا، وغضبا يهدر مثل ناعور عتيق، ثم يقول له: حاضر، ولكن لا تكن مع الغير كما أنت معي.

ترنو الفتاة الجميلة بعين غاضبة نحوه، وتتسائل من أين يأتي بكل هذا الجلد والغلظة، والقدرة على الهبوب يمينا وشمالا مثل ريح (الشرجي) في حدتها وإزعاجها، ثم تسامحه دون أن يفلح في تقديم اعتذار لائق.

لماذا نفعل كل هذا مع الذين نحبهم، ولا نصبر على مبارحتهم لقلوبنا؟

لماذا يجيد أحدنا الحديث لساعات وساعات ذات اليمين وذات الخبب، ويقول ما يشتهي دون كلل، ثم يبتلع لسانه فلا يجيد أن يقول ما في سريرته أمام من يعنيه أمرهم، ويعنيهم أمره؟

لعل للقلوب التي يشج بعضها البعض بخيط المودة دورا في تعطيل اللسان، نحن نقول ما نريد للآخرين بعقولنا، ولكننا نفقد السيطرة على القلوب حين تخاطب القلوب، فنترك لأسوأ صفاتنا المرح كما تشاء، فتكاد أن تفسد المحبة بالتبلد.

ولكن القلوب كفيلة بالغفران، وبالمضي قدما، الذين لا نجيد الاعتذار لهم هم الأكثر قربا إلى قلوبنا.