رسالة من الموصل (2) الفئران

رسالة من داخل الموصل الأسيرة، كما وردتني (بتصرف):
حين سقطت آخر دولة للمسلمين في اسبانيا، وغادر آخر أمير من بنو الأحمر تلك الأراضي التي حكمها ذات يوم، وبدأت الملكة إيزابيلا وزوجها ـ كأي ملك منتصر يحمل الدين وزر سياسته ـ بفرض أوامر ترك الإسلام، ومنع الكلام بالعربية أو قراءة القرآن على المسلمين الذين تم إجبارهم على ترك دينهم بالقوة، في ذلك الحين الغابر؛ ابتكر المسلمون الذين صاروا يطلق عليهم (الموريسيكيون) أي المدجنون لغة خاصة بهم، كانوا يكتبون بها تعاليمهم، وينقلونها جيل عبر جيل، هذا هو حالنا في الموصل اليوم.
لعلكم تتفقون معي بأن أكثر الحيوانات قذارة من تلك التي تدخل منازلنا هو الفأر، حيوان طفيلي قذر، لا هو بالجميل فيدجن، ولا بالنظيف فيقتنى، ولا هو بالمسالم الذي لا ينشر أذانه حيث مر فيترك وشأنه كغيره من الضيوف التي تدب في نواحي البيت، وقد نترك لها الطعام في مساربها، رحمة ورأفة وأداء لواجب الضيافة، كلها تهون، إلا الفأر، القذر المؤذي القبيح.
بربكم، هل هناك مناسب وصف ينطبق على أولئك القذرين الذين أطبقوا بنتانتهم على مدينتي العطرة أكثر من كونهم فئراناً؟
وها نحن، مثل أي إنسان يقع تحت سيطرة السفاحين، صرنا نكنّي عنهم بالفئران، نسمهم بما هم عليه، وحين نجتمع، لكي يشد بعضنا أزر البعض على هذه الأيام العصيبة، نفكّر كيف سيطردون، كيف سيتم تطهير البيت العطر من هذه الوجوه القبيحة، نكني عنهم خشية أن يسمعونا.
بالأمس كنت في بيت أحد الأصدقاء، ولما طال الحديث عن تلك الفئران الغازية، هب ابن صديقي بوردات عمره الخمس وقال بصوته الذي لا يشبه إلا الموسيقى العراقية العذبة: أنا أعرف كيف أطرد الفئران، وإذ انتبهنا متعجبين للولد وسألناه كيف؟ ليفاجئنا بخطة هي أكثر عجبا من ثقته بنفسه، بما أخبرنا أننا نقف على هذه الأرض، وقد غرزت أقدامنا فيها عميقا، كجذور النخيل السامقة أبدا، قال الطفل: سأمسك المزمار وسأخرج أطوف في كل شوارع المدينة ويتبعوني حتى ارميهم في حفرة واحدة ونحرقهم للابد كي لا يعودوا لازعاجنا ابدا.