تجربة سلطنة عمان التنموية… سياسات التعمين (1)

هذا التقرير كتب قبل 6 سنوات، وبقدر التقصير المعرفي الذي فيه، والأخطاء التي شابته بوصفه جهدا بسيطا لطالب في المرحلة الرابعة، فإني ـ بنفس الوقت ـ أحسب أيضا انه يلقي بعض من الضوء على تلك البقعة العجيبة لدرجة غريبة تماما عن مستنقع الشرق الأوسط (أو مستشفى الشرق الأوسط للأمراض العقلية) كما تقول صديقتي حبيبة محسن، سأنشر التقرير بحلقات دفعا للملل

علي عبد الهادي المعموري

 

اولا :النظام السياسي العماني

في الواقع ان تطبيق توصيف النظام السياسي وفق تعريفاته الاكاديمية الحديثة التي وضعها علماء السياسة واداءه لوظائفه الاربع على دول العالم النامي يعد امرا صعبا ومشكلا .

ففي نظام سياسي كالنظام العماني الذي يرتكزعلى اساس ملكية مطلقة محاطة بمظاهر دستورية ليست بالضرورة واقعية من حيث التطبيق. اذ ان عمليات النظام السياسي تكاد تكون متداخلة  مع بعضها البعض بمعنى غياب  الدور المتخصص وليس التداخل التفاعلي. وعمليات التغذية والتغذية العكسية تتم بشكل بدائي ولا تسير وفق اليات دستورية اوادارية محددة فكل شيء في الدولة ينبع من السلطان ويعود الى السلطان وفق تأطير شخصه باطار يرتكزالى مبادئ ابتكرتها وارستها الدول الاسلامية عبر تاريخها السياسي تتمحور حول (ولي الامر) وكونه يمثل السلطات الثلاث ـ بالتقسيم الحديث للسلطة ـ ووجوب طاعته والخضوع لارادته وكون ذاته مصونة. وغير قابل للمسائلة وهو امر ُشرع دستوريا في النظام الاساسي للحكم الذي صدر في نوفمبر (1996) وهو يهيمن على كل نوحي الحياة السياسية في البلاد منذ توليه الحكم عام  (1970 )ولهذا فان اي دراسة اكاديمية لاساليب النظام السياسي العماني لا يمكن ان تكون واقعية او دقيقة الا من خلال دراستها كأسلوب قائم بذاته من خلال دراسة سلوك السلطان كمؤسسة تنبع منها التشريعات وعلى عاتقها يقع تنفيذها .

وعلى العموم فالنظام السياسي العماني يتكون من البنى التالية مصنفة حسب الاهمية وفقا للنظام الاساسي للحكم في عمان :

1 ـ السلطان , متمثلا في شخص السلطان قابوس البو سعيدي .

2 ـ ديوان البلاط السلطاني .

3 ـ شؤون مكتب القصر .

4 ـ السلطة التنفيذية ؛ ويندرج تحتها :

أ  ـ رئيس الحكومة , السلطان قابوس .

ب ـ مجلس الوزراء .

ج ـ سكرتارية مجلس الوزراء .

5 ـ المجالس المتخصصة .

6 ـ مجلس الشورى. وهوالاسم الذي تفضل الدول التي تحكم على اساس ديني اسلامي ان تطلقه على البرلمان .

7 ـ المحافظات والولايات .

وعليه فإن الدراسة سوف لن تستهدف دراسة هيكلية النظام السياسي العماني او مدى تطوره واستمرار عملية التنمية السياسية فيه وفق الاساليب الحديثة وستنصب على اهمية التجربة التنموية على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي مع التعرض للتنمية في المجال الاداري التي شهدتها السلطنة .

ثانيا :التنمية

ان دراسة التنمية تتطلب قبل كل شيء تحديد الجوانب التي بني المصطلح على اساسها , او بشكل ادق ان نحدد ما هو التخلف لنعرف التنمية. ولابد ان نذكر قبل ذلك ان دراسة التنمية حتى الستينات كانت تنصب على النمو الاجتماعي والاقتصادي وتأثيراته السياسية (وعبر ذلك تعالج الاسس الاجتماعية والاقتصادية لما كان يسمى  بالعالم الثالث) الى ان ظهر مصطلح التنمية السياسية بعد الستينات حيث اصبح البحث ينصب على هذا المعطى الاقتصادي  ـ الاجتماعي عبر دراسة عملية اكثر تعقيدا قد تكون هي الاساس وراء التطور الاجتماعي الاقتصادي وهي التنمية السياسية .

واذا عدنا الى محاولة تحديد مفهوم التخلف كي نصل الى معنى التنمية استنادا الى المقولة التي تبين ان الدول المتقدمة تؤشر الطريق للدول المتخلفة , فسنجد ان هناك اختلافا شديدا في تقديم مستوى معين من التقدم يقاس عليه التخلف .فالدول الغربية تقيس مستوى التقدم تبعا للديمقراطية والاستقرارحيث ان الديمقراطية وبصورة الديمقراطية الغربية التي تقوم على نظام تعدد الاحزاب السياسية والنظم الانتخابية والتمثيلية والاستقرارالسياسي الذي يؤدي الى انتشار التربية والتعليم بين السكان وارتفاع معدل الدخل الفردي او مستوى المعيشة. ولكن هذا الرأي يصطدم بعدد من التطبيقات المتناقضة ـ كما يرى الدكتور صادق الاسود ـ فمثلا فرنسا كنت تفتقر الى الاستقرار  السياسي في عهد الجمهورية الرابعة وتعد في نفس الوقت دولة متقدمة وغيرها من الامثلة الكثيرة .

من جانب آخر تنطلق الماركسية في تعريف التقدم والتخلف من ايديولوجية شاملة تستند الى عملية حركة المجتمع وفق مراحل على اساس الاقصاد اي من مرحلة البداوة والرعي الى الزراعة ثم الاقطاع فالراسمالية من بعدها الاشتراكية فالمشاعية. وكلم تقدمت الدولة في تسلسل حركتها التاريخية وفق هذه المراحل واقتربت من تحقيق المشاعية يقاس مدى تقدمها.

ولكن الدكتور صادق الاسود يرى ان المجتمعات البشرية لم تتكون في زمن واحد ولم تعش فتراتها التاريخية بخط متواز لذلك فإن مسيرة تطورها ليست متماثلة في جميع الاحوال فطفرت بعضها مراحل تاريخية معينة لاسباب تتعلق بمقوماتها الموضوعية وبمميزاتهاالذاتية وايضا ففي العصرالحديث تحاول بلدان العلم المتخلف تجاوز مرحلة الرأسمالية الى الاشراكية اي الانتقال من مرحلة الزراعة الى الاشتراكية بصورة مباشرة .

وفي الواقع فإن افضل رأي يمكن ان نأخذ به في هذا السياق هو رأي الدكتور صادق الاسود الذي طرحه في كتابه المهم علم الاجتماع السياسي حيث رأى ان جميع هذه الاساليب ـ هو قد اضاف في كتابه الى النظريتين السابقتين مدخلان آخران هما معيار العوامل المتعددة ومعيار المقارنة التاريخية وللمزيد من الاطلاع يمكن مراجعة كتابه ـ هو يرى ان جميع هذه الاساليب غير مرضية (( لأنها قائمة على معايير مبنية على قيم ومفاهيم غريبة على واقع هذه البلدان ـ النامية والمتخلفة ـ وعلى مسيرتها التاريخية نحو النمو والتطور .

ان دراسة الدول النامية يجب ان تنطلق من من وجهة نظرالدول النامية ذاتها وعبر المشاكل التي تواجهها مجتمعة او كلا على انفراد اذ يجب ان يؤخذ التخلف باعتباره واقع عاما وينطوي على عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية مترابطة فيما بينها ترابطا وثيقا وهذه النظرة العامة الشاملة هي التي يمكن ان تؤدي الى استنتاجات تذكر لانها تكون الحد الادنى من الاتفاق بين الباحثين من نختلف الاتجاهات والا فإن احدا لايمكن ان ينازع مثلا في ان الدولة التي لاتضمن سلامة مواطنيها وامنهم او تلك التي لاتوفر لهم ضروريات الحياة بحيث لاتقيهم من الجوع وتوفر لهم الملبس والمسكن تعتبر دولة متقدمة ))

عمان والتنمية

بالاستناد الى كل ماتقدم فإن عُمان تمتلك خصوصية في قياس مدى تقدمها فبالنسبة لمعيار الديمقراطية فإن عمان كما سبق ان ذكرنا لا تبنى النظام الديمقراطي وتدار من قبل نظام ملكي مطلق يملك السلطان فيه كل السلطات.

ولكنها من جانب آخر تتمتع باستقرار سياسي ضمن لها مسيرة تنموية ناجحة وسوف نرى فيما بعد ان خصوصية عُمان فيما يتعلق بحكمها المطلق لم تعرقل مسيرة التنمية فيها هذا ان لم تكن عاملا اساس في دفعها الى الامام محققة مستويات تعليم عالية ومستويات معيشية مرفهة لمعظم السكان.

[الصورة المرفقة وردت من دون ذكر اسم صاحبها في الموقع الذي استعرتها منه، وهي لمشهد من عمان]

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.