HOME ملاحظات تأسيسية

(2) التقدم العلمي: بين جشع الإنسان، والتحرر من القيود الأخلاقية

الملاحظة الثانية، تتعلق بالتقدم العلمي، واستنزافه المفرط للموارد الطبيعية، وهنا أريد الإشارة إلى أمر بالغ الحساسية والدقة، وهو أن عصر النهضة ــ الذي قاد إلى الثورة الصناعية ــ رغم انه نحّى الكنيسة والدين وقواعده جانباً، إلا أنه كان عصر الفلسفة، التي حلّت محل الدين، وأسست للدولة الحديثة وقوانينها ــ كما كتبت مرة هنا ــ وشكلت القواعد الأخلاقية التي أسس لها الفلاسفة كابحاً للتطرف في التجريب العلمي وفق أهواء الإنسان، ولكن ما حدث لاحقا أن الجشع انتصر على الفلسفة والاخلاق، وإن العلم صار مسخّراً اليوم من قبل الشركات الكبرى للمزيد من الاستنزاف للموارد، كنتيجة بديهية لغياب الأخلاق عنه، ثم سخرية بعض العلماء الطبيعيين من المنظومة الفلسفية ومحاولتهم تقديم بديل قيمي يستند للمختبر العلمي، المجرّد والثابت بطبيعة تعامله مع المواد ذات الطبيعة الثابتة، التي لا تتغير إلا بظروف استثنائية، عكس الانسان المتغير بطبيعته، طبقا لإرادته الحرة، وكل هذا قادنا اليوم لنصل إلى موقف صار العلم ضمنه خاضعا لجشع الإنسان بدلا من أن يكون خاضعا للقيم الأخلاقية، سواء جاء بها الدين، أم وضعتها الفلسفة، وصارت القوانين ــ المستندة لمبادئ فلسفية في الغرب ــ تبعا لذلك تطبق في أرض، ويتم تجاهلها في أرض أخرى، بانتقائية تزيح فكرة العدل التي تشكل جوهر القانون، ليهجم أصحاب رؤوس الأموال وشركاتهم العابرة للقارات على الدول المتخلفة، الغنية بالموارد البشرية والطبيعية، بحثا عن الأيدي العاملة والموارد الرخيصة، وبتعسف شديد تحميه الانظمة السياسية في تلك الدول، بعد ان تشددت الدول الأوربية في وضع قوانين حماية البيئة، أو هربا من الضرائب والأجور العالية في الولايات المتحدة، والنتيجة ان هذه الشركات الكبرى التي نشأت في حضن الديمقراطية والحريات، تتحالف مع أكثر الانظمة تخلفا ودموية، وتوفر لها الحماية الدولية، عبر زواج المال والسلطة، لتستمر في استنزاف موارد تلك الدول، فتذهب الأرباح إلى المصارف الأوربية والامريكية مرة أخرى، ويتم تمويل البحث العلمي لأغراض عسكرية أو تجارية، ولا ينال من إنجازاته سوى مواطني ذات الدول الغربية، وجشع القيم الاستهلاكية الذي يستمر باستنزاف الأرض ومواردها، وبذات الوقت يستمر بتغذيته للتخلف والأنظمة الاستبدادية في العالم الفقير، ثم نعود ونلقي باللائمة على شعوب تلك المناطق بمفردها.

ملخص [نمط الحضارة الاستهلاكية الذي نعيشه اليوم هو نمط غربي، نتيجة للانفلات في تغذية التقدم العلمي ليخدم الإثراء الفاحش، بدلا من ان يكون وسيلة لجلب السعادة والتوازن، فالممولون الكبار للبحث العلمي هم الشركات الكبرى، والخاسر الأكبر هي الدول المتخلفة الغنية بالثروات، والتي التفت لها المتوحشين الغربيين وخرّبوا أراضيهم بعد أن قمعتهم القوانين في دولهم الأساس، ومنعتهم من ممارسة وحشيتهم وجشعهم على البيئة الأوربية والإنسان الأوربي، أو بعد ان استنزفت موارد بعض الدول الأوربية التي تم تعدينها ابتداءا من عصر النهضة عدا دول معينة في أوربا مثل النرويج والسويد].

يتبع

(الصور من الوثائقي)

رفع3

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.