المكتبات والوارثون

لعلكم لاحظتم أن الكثيرين ـ إذا لم نقل الأغلبية ـ من كبار الأدباء والأساتذة والعلماء والمثقفين في مجتمعنا لم يعقبوا أولادا يواصلون مسيرتهم، أو يشابهونهم في الاهتمام بالمعرفة على الأقل.

ولعلكم أيضا لاحظتم أن أول ما يثب له الوراثون من تركة الأب هي مكتبته، فيبيعونها قبل ان ينشف تراب قبره كما يقول العرب.

فلماذا برأيكم يحدث هذا؟

لي رأي متواضع بالمسألة…

إن أغلب الأساتذة الكبار والمثقفين يختصرون حياتهم بطلب المعرفة، ويقضون أغلب أوقاتهم بين الكتب، أو بين الطلبة، ويبذلون كل ما يملكون في سبيل المعرفة، وجمع الكتب، في مجتمع بضاعة العلم فيه كاسدة، وموارد أهله محدودة، مما يضطرهم إلى التضييق على أنفسهم وأهلوهم في غالب الأحيان.

حدثني أحد أساتذتي مرة، ممن تعلمت منهم الكثير، ان أطفاله لا يرونه إلا عندما يمد رأسه من غرفة مكتبته، ناهراً لهم لأن صوتهم ارتفع، أو ان صوت التلفاز أعلى مما يجب، بينما تجد أن علاقته مع طلابه على غير ذلك، تتسم بالكثير من النشاط، والود، والنقاشات المعمقة، حتى انهم يكونوا أقرب له من أبناءه.

على هذا، فإن الأطفال يكبرون وهم يرون في تلك الكتب غريما أخذ منهم والدهم، وبالعلم عدوا شغله عنهم، وبطلبة العلم ظهيرا لهذا العدو على أسرتهم وسعادتهم.

وتكتمل المشكلة حينما تكون الأم طرفا في هذا الصراع، تغذيه، لأن الأب يهمل الجلوس معها ومعاملتها كزوجة، خصوصا إذا كانت دون مستواه العلمي، كما انه حطم وضعهم الاقتصادي بتفرغه للعلم، وشرائه للكتب، وعزوفه عن التكسب بما تعلمه، أو تملق الحاكمين لنيل جوائزهم.

لهذا، فإن أول ما يثب عليه الأولاد بعد وفاة أبيهم لينتقموا من إهماله لهم عبره؛ سيكون مكتبته وكتبه، فتراهم يشتتونها كل مشتت، ولا يهدؤون حتى يبيعوا آخر كتاب بأي ثمن بخس، وإذا عز المشتري، فإن التنور سيكون مصيره، بهذه الطريقة اشتريت الكثير من عيون وكنوز مكتبتي الشخصية.

نصيحة من أخيكم الصغير:

أنا أعرف ان المثقفين والعلماء يتعاملون مع مكتباتهم بحب شديد كأن كتبها أبناءهم، فإذا أردتم ان تحفظون هؤلاء الأبناء المكتسبين، وان تكرموا مستقرهم بعد مماتكم، فاحرصوا على أن يحب أولادكم الصلبيين هذه الكتب، وان يكونوا جزءا من حياتكم المعرفية، احتووهم بالحب والحنان، ولا تبتعدوا عنهم بحجة العلم, وإلا، فاحرصوا منذ الآن على ان تؤول ملكية هذه الكتب إلى مكتبات عامة ينتفع بها الآخرون، وتظل ذكراكم باقية بها، ما دمتم عجزتم عن ان تجعلوا ذكراكم في بنيكم موصولة بالحب.

علي المعموري

25/ 5/ 2015

[لا أعرف مصدر الصورة]

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.