المسرحية التي عشتها

كتبت هذه الكلمات قبل عام، ونشرتها على صفحتي في الفيس بوك، ولكن يبدو أن موعد نشرها كان مبكرا، وإنها لا تزال طازجة، ما دمت قد بلغت الثلاثين بالفعل اليوم:

انا من مواليد 1985، قاربت الثلاثين، ولأن هذا الحياة ليست سوى مسرحية كما يقول المرحوم شكسبير، المسرحية التي عشتها يهمني منها ثلاثة:

الامهات:

ان يعشنّ في خوف أبدي منذ الولادة، يضرب بوحشته قلوبهن

ان يؤدين اكثر الادوار عسرا وأبعثها على الالم ان تكون احداهن ابنة ترتعب على أبيها من صفقة الباب، وهي لا ترى في الدنيا كلها حاميا لها غيره.

ان تكون أختا، تهرب الاسرة من القصف، فتطلب من أخوها ان يحمل امه على ظهره، وتسير هي خلفهما، وتقول: اذا جاءت الرصاصة تضربني اولا، ثم تضرب امه، ولا يصيبه منها شيئا.

أن تكون أما، ان تكون كل شيء.

ان يكون القلق العادة، والراحة الاستثناء، ان يلبّسْنَ الحزن، ويستحيين من الفرح.

ان يكنّ آخر من يأكل، وأول من يشبع.

ان يكون للدمع ألفة لا تنقضي مع عيونهن المتعبة، التي تخيط الهم بالاسى على ضوء الفانوس المعتم.

ان يعشنّ في ركض متواصل، من البيت، إلى العمل إلى المقبرة، ثم يأتي البطران ويقول: شيبّت من وكت، اريد اجدد.

ان يقفن في طوابير (الاسواق المركزية) في عز شمس تموز لأجل كيلو سكر.

ان تعيش إحداهن طوال عمرها وهي تحلم بغاية بسيطة كبساطة روحها، ولد يحملها على كتفه حين تموت، وبنت تولول عليها: يا ييمة يا حبيبة.

يا ييمة يا حبيبة

ان يفقدن أبناؤهن بكل الطرق الممكنة:

انفجار

حرب فاشلة

سجن بالغلط

او تجبره على الهجرة لينفذ بروحه، وتظل وحيدة صحبة الببغاء الملعون الذي يردد اسمه كل لحظة في زوايا البيت الموحشة.

الاباء:

ان يحتفظ احدهم من الحرب بكل شيء، حتى انه يرتدي ملابس الصيف بتوقيت الجيش، واردية الشتاء بمواعيد المعسكر.

اما نفسه فقد فقدها منذ اول طابور عرضات صُف فيه على صوت العريف وهو يسب اموات امواته.

الابناء

نحن جيل الحروب الذي لا يتذكر من طفولته صورة عن أبيه سوى رائحة البسطال الحادة يوم النزول، والوجوم الذي يعتصر الوجوه المودعة يوم الالتحاق، وكل ما عداها سراب غير مفهوم.

الصورة للنجف، المدينة التي ولدت فيها، صورة قبل قرنين.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.