La Luna (القمر)

علي المعموري

فيلم كارتوني قصير (7 دقائق)، دون حوار، وخلال هذه الهنيهات، يقول كل شيء، دون ان يتكلم ممثلوه، غمغمات خاطفة لشخصياته الكارتونية، يتكلم عن صراع الاجيال، وعن انتقال الافكار والخبرات من جيل إلى آخر، ممجدا التغيير والابتكار، وإضافة الاجيال الجديدة للانجازات القديمة، بالاعتماد على النفس، والتفكير، والابتكار، ضمن موسيقى رائعة ومعبرة.

يبدأ الفيلم بزورق يبحر في محيط شاسع من الزرقة وسط الظلام، قارب كتب عليه عنوان الفيلم ذاته (La Luna)، طفل صغير يحدق بدهشة ممزوجة بالرهبة في المياه، ثم يظهر أبوه الضخم، وجده العجوز، يناول الجد للطفل صرة قماشية، وكأي طفل، يلتفت إلى أبوه بنظرة تساؤل، فيومئ الأب: ان افتحها، في الصرة هدية، قبعة بالضبط كتلك التي يرتديها الأب والجد، انه الميراث العائلي، الحرفة، القيم، المحتد، تنتقل من جيل إلى جيل، يبتهج الصبي، ويضعها على رأسه، ينزعج الجد من طريقة وضعها، فيسحب القبعة إلى الخلف حتى تظهر غرته، بالضبط كوضع قبعته هو، وهنا ينزعج الأب، فينزل القبعة إلى الامام حتى تكاد تحجب عينا الصغير، ويدخل الجد والاب في نزال حركي على قبعة الطفل، حتى يحسم الأب الامر، وينحي الطفل جانبا والقبعة قد استقرت كما يريد هو، لا كما يريد الجد، انه الصراع والاختلاف بين الابناء والأباء، اختلاف الرؤى وآلية نقل القيم والتجارب بين الأجيال، الامر الذي سيركز عليه الفيلم مستطردا.

يجلس الطفل بهدوء ينتظر ما ينتظره ابوه وجده، وهنا يخبرك الفيلم كيف ان الاطفال يقلدون الكبار، ويجعلون منهم قدوة، يترسمون خطاهم بدقة، يمسح الأب شاربه الكث، فيفعل الطفل ذات الحركة، يحك الجد أذنه، فيأتي الطفل بذات الفعل، ثم فجأة، يبزغ القمر، و(ها) ممتلئة دهشة تفيض على شفتي الطفل، منبهرا بالقمر القريب بشكل غريب.

يسحب الأب مرساة ويمنحها للطفل، بديهيها يحاول الصغير ان يرمي المرساة الثقيلة في المياه، فيمنعه الجد، ويطلب منه الانتظار، تستمر عملية نقل القيم، والاستفادة من التجارب، يبرز الأب سلما يتزايد حجمه تدريجيا حتى يكاد يلامس القمر، يطلب من الطفل ان يصعد، الآباء الذي يدفعون الأبناء إلى الحياة، إلى حقل التجربة، يذعن الطفل ويبدأ بتسلق السلم الطويل صُعُدا إلى القمر، يتوقف في الطريق، فيشجعه الرجلان على المضي، ثم فجأة تنعكس الجاذبية، ويطير الصغير، ليجد نفسه جالسا على القمر، والضياء الذهبي الذي كان يشع القمر به ما هو إلا العديد من النجوم الصغير الملتصقة بسطح القمر، وكل هنيهة تسقط نجمة جديدة، والطفل منبهر باكتشافه، يحدق حوله، والرجلان يطلبان منه ان يثبت المرساة، ينتبه من الدهشة سريعا، ويثبتها ليلحقه الرجلان إلى القمر.

يخرج الاب من قمرة هناك عربة، فيها مجارف ومكانس، يعطي الأب لابنه الطفل مكنسة عريضة، ويطلب منه ان يكنس النجوم المتناثرة على الارض، فيحتج الجد، ويعطي الطفل مقشة شكلها مختلف، ويرى انها الافضل في أداء العمل، ويندلع الجدال بين الاثنين، وخلال ذلك ينتبه الطفل إلى الاختلاف بين الرجلين، مكنسة أبيه تشبه شاربه الكثيف، ومقشة الجد تشبه لحيته البيضاء، يضحك برقة، ثم فجأة، تتقدم نجمة كبيرة الحجم، تُلجأ الثلاثة إلى مخبأ بعيدٍ عن وقع سقوطها المدوي.

انها نجمة كبيرة، لم يشاهدها الرجلان من قبل، انها الحياة التي تزداد تعقيدا، ولا تنفع الحلول التقليدية الجاهزة المستقاة من تجارب حدثت في زمن آخر في حلها، المشاكل الجديدة، التي تتطلب حلولا جديدة، يفشل الرجلان في زحزحتها عن موضعها، تتكسر أدواتهم التقليدية، وحلولهم التقليدية، ثم فجأة، يركض الطفل إلى صندوق العدة، يستخرج مطرقة، يرتقي النجمة، يحدد موضعا منها يطرقه بلطف، فتنهار النجمة إلى عشرات النجوم الصغيرة الأخرى، ويحلق الطفل خلال النجمات المنهارة كالحلم، كالعصفور، ويعقب سقوطه الناعم بضحكة جذلة تخرج الرجلان من الدهشة التي ضربتهما، فيضحكان.

حينما ينزلون إلى القارب، سنجد ان الطفل قد وضع قبعته بطريقة اختارها هو، تختلف عن طريقة جده وأبيه، يضحك الثلاثة، ويربت الرجلان على الطفل تشجيعا وإعجابا، ويتبادلان السعادة، لقد صنع الجيل الجديد حلوله، واختار طريقة تفكيره الخاصة، المتناغمة مع التراث، والمتحررة من قيوده، وأصلح بين الجيلين المتصارعين في ذات الوقت.

وحينما تنسحب الكاميرا، يظهر القمر وقد صار هلالا بعد ان كان بدرا، العائلة هذه تعمل على صنع الايام وحركة الزمان، من المحاق، الى هلال، إلى بدر، فهلال فمحاق.

مشاهدة ممتعة

Director&Writer:

 Enrico Casarosa (screenplay)

 imdb

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.