همسات أخ أواخر الليل

علي المعموري

هذا الفضاء الالكتروني، عرفني على أشخاص اعتز للغاية بمعرفتهم، أفكارهم تملئني احتراما لهم، وفرحا بالصدف التي قادتني إليهم.

احد هؤلاء الرائعين، ممن أتوقف لقراءة كلماته بإمعان، واحترم آراءه بعمق، فوجئت وأنا اتابع حوارا دار بينه وبين شخص آخر بأن هذا الرائع مفجوع، ففهمت ان قلبا بهذه السعة، وأفقا بهذا الاتساع لابد ان ينطوي على فجيعة.

له، وللمفجوعين بأخوتهم، وللذين يمسكون قلوبهم كل لحظة وجلا على أحبتهم، اكتب هذا النص في

هذه الساعات المـتأخرة من الليل وكلي تضرع إلى الجليل ان يحفظ اسرنا من الخبل الطائفي، وان يرحم ضحايانا الابرياء:

همسات أخ أواخر الليل

منذ أول اللحظات التي ميّزت فيها أنك أخي، شعرتُ أنك فعلت نفس الشيء.

منذ ذلك الاكتشاف، الذي تشابكت فيه الدهشة بالروعة بالسعادة كتشابك أصابع الرضيع بأصابع أمه، منذ تلك اللحظة، كنت أخاف عليك قدر ما تخاف علي.

أفرح لك كما تفرح لي.

يجمعنا قلب واحد، يجد فينا ماضيه، وحاضره، ومستقبله.

قلب يطوي الليل واختلاجاته مزيج عجيب من الغرائب، عامر بالحب، يتلظى قلقا من أجلنا، ويمتلأ أملا بنا، يختصر القادم بالآتي بمجرد تناهي وقع خطونا له، هل تحس به وأنت في نأيك الآن؟

هل تشعر بقلب أمك؟

هل تسمع ما يدور بقلبي أنا يا ابن أم؟

هل تذكر حينما كنا نبكي بلوعة ونحن نسمع الوائلي يقرأ من شعره، وصوته يتماسك بصعوبة عن البكاء:

 

يا ثغر الرضعت وياه……….الخوه من ثدايا امي

 

هل تذكر كيف كنا نقرأ على ضوء الفانوس آخر الليالي الباردة أمل دنقل وهو يتسائل:

أعين الغريب كعينا أخيك؟

هل تذكر؟

هل تذكر كل ضحكة خلفها صوتك في قلبي، هل تذكر أول الأسرار التي تشاركناها، أول المخاوف التي لفت روحينا بمخالبها، أول الأفراح التي طوقت عيوننا بجيدها الوضيء؟

العتمة نوافذ، تُطلُ فيها عليَّ بكل الصور التي اتخذْتَها، والصور التي لم يُتح لك قاتليك أن تكونها.

الأبواب ضياء يمتد حيث شاء الله له، وأنت فيه الشعاع الأكثر ألقاً.

أقول لك: مشتاق أنا، مشتاق بقدر رحمة الله، التي لولاها لما وقفت ساعة على أقدامي عقب رحيلك.

أقول لك: ان الدروب عامرة بروحك، لا أستوحش الطرق التي مررتَ بها، ولا التي عاجلتك المنون، فلم تخطر بقامتكَ الشماء على كتفها، أخطوها أنا عنك، وأتخيل فيها عنك أحداث وأحداث، واحتفظ بالذكريات عذبة في قلبي، كأنك عشتها، وكأن همسك يملأها حياةً وبهجة.

أقول لك: إن رحيلك لم يحولني إلى كتلة من الغضب، أقيء رغبة بالانتقام، إن رحيلك جعلني أشعر بمرارة الفقد، وقرّبني إلى الحقيقة.

كم هو أمر محزن أن يكون ثمن الحقيقة باهظا هكذا، أن يكون للسلام درب تملأه الذكريات المفجعة، وبكاء المفجوعين.

إن رحيلك، كما حضورك، ملأ قلبي بالحب، جعل أذني صماء عن أصوات القتلة، لا تسمع إلا همس الأرواح النقية كروحك، ينساب عذبا إلى أذني كالموسيقي التي انطوت عليها ضحكتك، أغلقَ كل درب ضيِّق على صوتي، وفَتح أمامي درب الانسانية على اتساعه.

أودعك قلبي، واستودعك ذاكرتي، كُلي حروف تتركب ولا تأتي بغيرك، لا تصنع غير اسمك، ولا يقودني اسمك لغير الغفران، والمودة، والتسامح، لن أسمح لهم بأن ينتصروا بخبلهم الطائفي عليَّ، فيملئون قلبي بالكره، وهو عامر بك، ممتلئ بحبك، كيف له أن يتسع للكره، وقد فضتَ به حباً؟

أقول لك، والناس على موعد مع ربهم إلى عيد، أقول لك، كل عام وأنت في قلبي نبع لا يغيض زاخره، تمدني بالعزم، وتشد ازري بالمودة، لا تأخذ مني غير الحب، ولا تعطيني غير الحب.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.