الحدود التي يكذبونها


علي المعموري
بيني وبينك يقف سوء فهم كبير، درب أراده المؤمنون معبرا لخلاصهم، ولكنهم لم يدركوا كنهه الحقيقي، انكفأوا عليه دون معرفة، وأقاموه سدا بيني وبينك، فسحقوا روحينا به كالرحى.
ما هو الدين؟
ما هي المذاهب؟
الا تريد كلها الله؟
أليس الله محبة؟ فلماذا يريدون لتلك السبل ان تكون بغضا؟ كيف يقود البغض إلى المحبة؟!
هم يزدادون تيها، وأزداد ألما، لا أرى نفسي في مسار لا ينتهي إليك، ولا ارغب في سعادة لا تكونين كنهها، لا أريد صخرة اسند ذاتي عليها إذا لم تكن من حنانك، المياه لا تبل الغليل، والزاد لا يقيم الأود، والهواء لا يشفي من الاختناق، كل المعاني فارغة بدونك، والغرف مظلمة تبحث عن ضياءك.
اقف هنا، منتظرا بلا كلل، اطاول الليل بالهم، تمر ساعاته على روحي كالدهور، طيفك يحوم على رأسي، يضحك، ولا أحس بذلك الدبيب الذي كان يسري في عروقي حين تتلقف روحي ضحكتك وأنت أمامي، لم أكن اسمع صوتك بأذني، كانت كلماتك تعصف بقلبي، احسها، كما يحس الطفل بكلمات أمه قبل أن يفهم الكلام.
يمر الليل بي، اسائل كل صوت عابر في الطريق عنك، تذكرني الهمسات الشفيفة التي تهوم كل حين بك، تمنعني من الانهيار.
اقلب بصري في السماء، اتلمس أول خيوط الفجر، الضوء العذب كوجهك، الرقيق كخطوتك، الذي يحمل الأمل في مقدمه الوئيد كالأيام التي يشع فيها حضورك.
تذكرني بك العصافير التي تهب مع أول لمسة ضوء رفيقة تمر على وجنة الدنيا، منذرة بالحياة.
مع أول الاصوات التي تنبعث معها الحياة، مع أول الخطى التي تسعى إلى طلب الرزق في الأزقة التي تدور تدور، لا تبدأ إلا منك، ولا تنتهي إلا إليك.
أطل برأسي منهكا على نافذة الدنيا، اتصفح الوجوه بحثا عن وجهك النائي، وكل جوارحي سمع يتلمس صوتك بين الأصوات، حروفك الرحيمة بين القسوة البشعة التي تحيطني، كالسوار الذي طوق معصمك ذات يوم، وطوقت استدارته روحي، وقطعت علي كل السبل التي لا تؤدي إليك، انت، التي لم تعد طرقي تقودني إلى احد سواك.
يا أنت..
أخلو إلى قلمي فلا يحدثني عن غيرك، الأوراق لا تريد على جبهتها عنوانا يخلو منك، والكلمات لا تتركب بمعنى سواك.
أدور على محورك، النهار رتيب لا يذكرني إلا بالوطن الذي رأيته فيك، ورأيتك فيه، ثم يسلمني إلى الليل متوجعا، وتستمر حلقة الألم.
اخبريهم انني سأنتظرك، وانك ستنتظريني…
أخبريهم أنني لن أكون إلا على ما يقودني لك، لا أرى دينا لا تكونيه، ولا إيمانا لا يتجسد عبرك، اتوقف عندك، ولا أعدوك، اجد فيك حريتي، وأتلمس إيماني فكرة ففكرة، حسرة فحسرة، نغمة فنغمة، تتابع الكلمات، وأنت بينها تتكررين.
أخبريهم ان الحدود التي اصطنعوها واهنة أمام صبري، وأن الأطياف التي تصطف على طول ليلي، على طول الحدود، على مقدار حبات الرمل المصطفة حسرات ــ يسمونها مسافات ــ تفصل جسدي عن مكانك، ولكن روحي تهيم حولك، تتيه بليلك، تتقاطع الطرقات وتشتبك ولا تصل روحي لسوى طريقك.
أخبريهم انني انتظر، كالضال، اقف هنا واهمس لفؤادي الكسير:
لعل الله يهديني بك…..

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.