سبايكر

علي المعموري

سبايكر

التي لا أريد الحديث عنها

التي بقيت أُكابر حتى قبل أيام وارفض تصديق ان ما جرى فيها قد جرى

واحاول ان اقتنع بزعم من قال انه فيديو مفبرك

ولكن دموع الأمهات أصدق انباءا من الكتب

الحرق التي تتلوى على وجوههن

الحسرات التي تقول كل شيء

الليالي الموحشات التي تمر عليهن، وطيوف الغائبين تنعب في جوانب البيت، تظهر في المرايا، تنبثق في الطعام، تنعكس في المياه.

الغربان التي تصفق اجنحتها المشئومة في أفئدتهن

الاسئلة المغمسة بالمواجع، العيون التي لا تعرف الهجوع، وغارت الدموع في منابعها، الوسائد التي لا تهنأ على فراش، والفراش الذي لا يضم جسدا.

سبايكر

الكوابيس التي لا استطيع ان اتخلص منها

اللعنات التي تطارد السياسيين

والطائفيين

والسفلة

وتجار الفضائيات

العار الذي يضمخ بريق الرتب العالية التي خذلتهم

والسياسيين الذين تاجروا بهم

والسياسيين الذين يلعنونهم

السياسيين الذي ينظرون بعين واحدة

ويسمعون بأذن واحدة

ويعبدون ربهم على حرف

الاوغاد الذين يقولون دم بدم

والأنذال الذين يختلف لون الدم في آماقهم من ضفة إلى أخرى

الصم الذين لا يسمعون النواح، ويغنون “يمه نتلتني العكربة”

الليالي التي تمر علي وأنا أبكي من الشمال إلى الجنوب، أبكي الأحبة الذين حصروا في الموصل

اتحرق للتمدن الذي استباحه التوافه في أم الربيعين.

سنجار التي تقطعت أكبادها في جبل الموت، يترقبون الهلاك مع كل نأمة يرسلها الليل البهيم، يلفها عطش وجوع.

أبكي لدموع “جبارة” واسرته التي تتساقط ثمراتها عن جذعه شهيدا فشهيدا، الغار يكلل رأسه، والحسرة تملأ خافقه.

أبكي لآمرلي، التي تشجر قلوبها في البنادق، وتترس بالمهج، ولا تعد نفسها بغير الشهادة، ترى الموت ولا تشعر بالحياة، تستعذبه كما تستعذب الماء في حصارها.

حديثة التي تأبى ان تركع، تقف منيعة كنواعيرها، دائبة النشيج.

أما الفلوجة التي لا اعرف ما يجري فيها، فتلك حكاية أخرى، لكن ما أفهمه ان هناك أبرياء ينالهم تناوش السلاح وهم لا ناقة لهم ولا جمل.

كربلاء التي تمتد إلى النجف لاجئين، غصات تتراصف على بعضها، وجوه حيارى تتكدس في أماكن الزائرين، قلوب تشخب اسئلة، تجفل مع كل خطوة تضرب على الطريق، عيون تترقب القادمين، لعل بشرى بالعودة تلوح. نازحون من الأنبار يحتمون بحمى الشهيد، شهيد الإصلاح والحياة الكريمة، تتلوى الخوافق تحت الضلوع، يتطلعون إلى فجر يحزمون فيه ارواحهم إلى قراهم.

من تلعفر، تتالى صفوفهم، الحيرة زادهم، والدهشة نميرهم، والناس التي تفتح قلوبها، وصناديقها لهم، ترفدهم بالزاد والدواء قبل أسرهم.

الذين هربوا شمالا، والبنادق التي احتموا بها تمنع عنهم الدواء، وتضيق عليهم سبل الغذاء التي يجمعها لهم نبلاء ملأت قلوبهم لهفة للعدل.

سبايكر

التي تلم كل شيء فيها

ولا شيء منها اليوم

المقابر التي لن تجدها الامهات في الاعياد

لا شيء

عدم وحسب

[اللوحة للفنان العراقي مؤيد محسن]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.