غاية الإطالة في معرفة النبالة

 

أو محاولة لمنهج في التعرف إلى الإنسان

استطرادٌ على هامش الامن الوطني؛ الذي هو تنمية؛ التي هي إنسان؛ الذي هو مقياس كل الاشياء.

هذه الخطوات هي في المجمل المعايير التي اعتمدها في وصف انسان ما بالنبيل، وهي ليست بالضرورة صحيحة، أو مضبوطة، ولكنها على الاقل مُرضية لي بدرجة معقولة، وقد لا اظل عليها لأمد طويل، لكنها في الوقت الحاضر تؤدي لي الكثير من الفوائد.

  • النبالة تنطبق على النساء تماما مثل انطباقها على الرجال، بدون زيادة أو نقصان.
  • النبالة نسبية، أي بمعنى ان الانسان لكي يكون نبيلا، فليس بالضرورة ان يكون منسجما ومعاييرك الشخصية، انه نبيلٌ قياسا إلى بيئته، إلى التنشئة التي تلقاها، والحال التي صار إليها تبعا لذلك، ليس بالضرورة ان يكون على دينك، أو مذهبك، أو مدرستك الفكرية، انظر له من زاويته، لا زاويتك، انه نبيل لما يؤمن به بالمجمل، وكيف يفعل ذلك، لا لإيمانه بحد ذاته.
  • المبدأ، كائنا ما كان مأتاه، وكيف ما يكون مسربه، شرط أن لا يكون مُهلكا للحياة، لا بل شرط ان يُراد به حفظ الحياة، أي حياة تكون، تحت أي ظرف، دون أي ذريعة شرعية أو غيرها، لسلبها في سبيله ــ أي المبدأ ذاته ــ بمعنى انه لا يرى ان الغاية تبرر الجريمة.
  • الثبات، أي صلابته في ما يؤمن به، وهو ثبات نسبي، أي بمعنى أنه ثبات في تحصيل الرؤية بالاجتهاد، بالفكر، حتى لو غير طريقه، وأدار تفكيره، مادام هذا الامر يكون نتيجة مترتبة على إعمال الفكر، وبذل الجهد في غايته طلبا للحقيقة، والتي بدورها قد تكون جلية لدى البعض، تشبه كرة من الفولاذ من أي اتجاه أتيتها ستجدها صلبة ومتساوية الأبعاد، أو قد تكون رجراجة كالزئبق لدى قوم آخرين، غاية الأمر انها نتيجة التفكير في النهاية، وهذا هو بيت الثبات، انه لا يأتي اعتباطا.
  • الصدق، انه يقول لك ما عليه، بالضبط كقوله ما هو له، لا بل هو على اعطاء الآخرين الصدق والإنصاف من نفسه، أقدر منه في إحراز النَصَف لها، وهذه غاية قدرتي في صوغ فكرتي رغم فجاجتها.
  • التضحية، انه قادر على ان يضحي بأعز ما يملك، بالأهل، بالنفس، بالمال، بأي شيء في سبيل ما يؤمن به.
  • الإيثار، إنه قادر على ان ينحي اللقمة عن فم طفله الجائع ليطعم طفل جاره، ببساطة شديدة، وإن كان في نفسي من هذه أشياء وأشياء…
  • الحب ــ ليس بمفرقعات نزار قباني مع احترامي لمن يحبه، وليس له بالضرورة ـ كلا بل الحب الذي قال عنه الامام الصادق: وهل الدين إلا الحب، الحب على طريقة الصلحاء من المتصوفة، الحب للانسان، الحب الذي يُوصل إلى راحة النفس، ويمنحها الإيمان، ليس الإيمان بالتصور التقليدي الذي قد يتبادر إلى لا وعينا الأصولي، كلا، الإيمان بالطريقة التي وصفها بهاء الدين العاملي: ان المكلف إذا بذل جهده في تحصيل المعرفة، فإنه مأجور على ما يصل له، حتى وإن كان خاطئا.
  • الصبر، لا احسبه يحتاج إلى مزيد توضيح، هو قائم بذاته.
  • القدرة على رؤية الضوء في العتمة، انه يستطيع أن يرى الأمل بعد ان يمحق في نفوس الجميع، وهو يستطيع ان يضع يدك عليه، القدرة على منح الفرحة لمن حوله، انه نبي بطريقة ما، مع الحفظ الكامل لمقام النبوة.
  • انه ليس بالضرورة ان يكون معروفا، جماهيريا، هو قد يكون ذاك المتسول الروماني ابن الثمانين الذي كان يقضي يومه هائما يسأل الناس، ليجمع النقود ويسدد بها فواتير ملاجئ الايتام آخر كل شهر.
  • العطاء، البذل من روحه من غير اضطرار، النبلاء هم أولئك الذين يُبكيهُم الانسان حيثما توجع، الذين يقضون اعمارهم في ألم، يدورون بين سجون معنوية، وأخرى دنيوية تسلب الانسان انسانيته، ولكنها لا تفعل معهم، انهم يتألمون وهم في غنى عن  الألم، ويبكون وهو في مندوحة عن البكاء، الذين يرقّون حد الشفافية، ويَغلظون في سبيل الانسان حد الموت.
  • الخلف الصالح، لا اعني الذرية هنا، اعني ما يتركه وراءه عقب رحيله، ليس بالضرورة من العلم، كم عالم ترك وراءه العلم النافع، وعاش عمره خسيسا لئيما دنيئا، وغيرها وغيرها، انا اعني هنا؛ انه عندما يموت، فستجد دموع مشيعيه تزفه، وحينما يُذكر بعد رحيله بين من عرفه، تراهم يَجمون، ويحل عليهم الخشوع، كل واحد منهم يرسل له الرحمة في سره، وهو يتذكر موقفا ما له، اطربه فيها نبله.
  • انهم الذين لديهم القدرة على رؤية الجمال في كل ما برأ الله، وكل ما كان، وما لم تكن له كينونة.

وهذه المبادئ، ليس ثابتة بالضرورة، وقد لا تكون وافية، وقد لا أكون حصرت كل ما في نفسي فيها، وأنت لن تجدها مجتمعة في كل شخص، وقد لا تناسب مقاس الكريم الذي سيقرأ هذه الهلوسات، انها في النهاية امور تجعلني أشعر بالرضا لأني رأيتها في بشر دون آخرين، شاكر لمن جشم نفسه عناء القراءة، وشاكر للنبيل فالح حسن، المعروف بفؤاد سالم، الذي وصفته في ذاتي بالنبيل، ثم جلست أفكر لماذا هو نبيل؟!