وطن هذا أم فجيعة؟

علي المعموري

ما هو هذا الوطن؟

إنه ليس سوى أمهاتنا المفجوعات.

على مسيرة زمن مثقل بالآمال الوجلة، متسربل بخيبات متلاحقة تثقل نفوسهن، حزن دفين يلف تلك القلوب الرقيقة، رغم الايمان الذي يحافظ على دبيب الحياة في عروقهن، وأي حياة موجعة هي.

عندما قرر صديقي علاء، ابن الموصل ــ الذي لم يبق بينه وبين موعد مناقشة رسالته الا ايام على عدد اصابع اليد ــ ان يترك الرسالة ويعود إلى الموصل التي سقطت بيد الهمج، حاولت الاتصال به لاقناعه بالعدول عن رأيه، دون فائدة.

في منتصف الطريق حالت الاشتباكات بينه وبين مقصده، فسرب إلى مدينة على الطريق، وقتها، كانت أمي قد أمسكت مسبحتها، وجلست تمجد الله، ناذرة أن تهدي ثواب تسبيحها إلى أم فجعت بأربع، ومزق قلبها ابن لم تلده، هي أم البنين، كانت تسبح ليرجع الولد سالما، ويناقش

ثم عاد إلى بغداد، كنت وصديق آخر من صميم الصويرة حائران، لا نستطيع تركه يذهب إلى الموصل، ولا نستطيع جلبه إلى النجف، مخافة ان يحتجز في الطريق، وأمي تدعو، وتريد ان تكتب لعلاء ما كتبته لابنها من آيات قرانية، وأدعية ــ يحملها لارضائها بالدرجة الاولى معتمدا على ايمانها وحسب في ان يسهم في حفظ الله له من غوائل الامور، وحراب الهمج .

حثتني أمي على جلبه للنجف، وأن أقرأ آية الكرسي بوجه الشرطة، لكي تعمي أعينهم عن هويته، وعن اسمه الغريب على الحدود الجديدة، وأنا مشفق على نفسي، وعلى علاء من الطريق، من أين لي بإيمانك الذي ينفذ بصديقي، رغم اني اعرف ان ايمانك يتسع لنا نحن الاثنان؟

وحينما قرر أن يعود إلى أهله، أمسكت مسبحتها، وقرآنها، تدعو للغريب أن يصل إلى أهله سالما.

كل هذا فهمته في سياق، ثم فهمته في سياق آخر وأنا اسمعها تدمدم مع نفسها، وهي تشاهد أخبار القتلى من الجانبين: ((تربي الامهات وتالي ينكتلون)).

تتحمل الأم في ابنها ما لا تتحمله الصم الجلاميد، ثم يشط الولد، فيحمل السلاح، أو يذهب ضحيته، وهي لا تملك سوى أن تدعو له، وأن تطوع المنطق لتبرر له موته، أو حياته، مع الامهات، لا منطق سوى الولد، ثم:

((ربيتهم لمن  ﮔرب الخير………فروا من ايدي فرت الطير))

هذا الوطن، ليس إلا أمهات تلد البنين، ليبدأن مسيرة طويلة من البكاء عليهم، خوفا، أملا، فرحا، ثم فقدا.

ولا شيء غير ذلك.

(اللوحة المرفقة للفنان العراقي مؤيد محسن)

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.